“سنونو آستانة”.. والفضاء الروسي ـ التركي في المنطقة

| جورج علم |

..ويأتي رف السنونو هذه المرّة من أجواء آستانة، عاصمة كازاخستان، وتحديداً من اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين مع التركي رجب الطيّب أردوغان، على هامش القمة 24 لرؤساء دول “منظمة شنغهاي للتعاون”.
عناوين ثلاثة بارزة، لمّها شمل اللقاء:

1 ـ تشجيع روسي لتركيا أن تلعب دوراً في إحتضان قيادات عليا من حركة “حماس”، إذا ما تمّ التوافق على الخروج من قطاع غزة ضمن “صفقة اليوم التالي”، وهي موضع بحث راهناً في الدوحة، وعواصم أخرى.
2 ـ ترتيب لقاء قمّة بين الرئيسين التركي والسوري لفتح صفحة جديدة تساعد دمشق على تنفيذ العديد من مندرجات القرار الأممي الرقم 2254، بينها تسهيل عودة النازحين.
3 ـ تعبيد الطريق أمام عودة العلاقات الثنائيّة ما بين الدوحة ودمشق، نظراً لمتانة العلاقة ما بين تركيا وقطر.

ظهر في أفق المرحلة اهتمام روسي ـ إيراني مشترك بأن يكون لتركيا دور في ما يجري بين واشنطن وتل أبيب والدوحة والقاهرة من محاولات للتوصل إلى وقف القتال في القطاع، وتبادل المحتجزين، وفق الخطوط العريضة للخطة التي طرحها الرئيس جو بايدن حول “اليوم التالي في غزّة”، والتي تبنّاها مجلس الأمن الدولي بما يشبه الإجماع.

إحدى النقاط البارزة، والتي هي موضع اهتمام دولي ـ إقليمي، تتناول “اليوم التالي لحركة حماس”.

نجحت “الحركة” في الصمود، وإثبات الدور، والحضور، هي إلى الطاولة، سواء تلك الناشطة في الدوحة أو في عواصم أخرى. ويصرّ إعلامها على “رفض القيادات العليا مغادرة القطاع”، لكن التواصل الدبلوماسي قائم على بلورة مخارج تقتضيها ظروف المرحلة للوصول إلى تسوية قابلة للحياة.

ما أراده الرئيس الروسي من صديقه التركي، توفير المستلزمات الأخيرة، والتي لا بدّ منها لتوطيد التحالف الممتد من موسكو إلى أنقرة، مروراً بدمشق وطهران، وصولاً إلى بكين. محور قائم ناشط، تحتاج مرتكزاته إلى لمسات تجميليّة أخيرة، فيما حضوره على المسرح العربي ـ الشرق أوسطي يزداد فعاليّة، وينتعش من كميّة الأوكسجين التي يوفّرها هواء المنطقة المكتوية من السياسة الأميركيّة المنحازة.

تدعم واشنطن مطلب “تل أبيب” بخروج يحي السنوار ورفاقه من القطاع إلى جهة عربيّة أو إقليمية. مصادر “الحركة” ترفض. تل أبيب تتوعد، وتقول إن الحرب لن تنتهي، ولن تنسحب، وسينوّع الجيش المحتل عملياته لتصبح انقضاضيّة مباغتة هدفها اغتيال قادة “الحرّكة” أنَّ وجدوا. وما بين التصلّب في الموقفين، يتقدم “الخيار الثالث” حول الخروج “اللائق والآمن” من القطاع إلى عاصمة “قادرة” على توفير مظلّة متكاملة من الضمانات الأمنيّة، والسياسيّة، والإجتماعيّة…

الدوحة لم تقفل أبوابها، وإن كانت قد أعلنت سابقاً بأنها “تعيد تقييم دورها كوسيط في مفاوضات الهدنة”. رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة زار إسطنبول في 19 نيسان الماضي على رأس وفد من القيادة العليا، والتقى في اليوم التالي الرئيس أردوغان، وتناول البحث مستقبل غزّة، ومستقبل “الحركة”، وتسريع عمليات الإغاثة.

أستاذة العلاقات الدوليّة في لندن سيلين نانسي (تركيّة) أعلنت لموقع “الحرّة” أنه “من المحتمل جدّاً أن تهدف تركيا إلى وضع نفسها كوسيط في الصراع، وربما تعوّل على دور قطر، خاصة مع عدم نجاح دول أخرى في هذه المحادثات مثل مصر”.

وترى المحلّلة التركيّة “أن الشعب التركي، بشكل عام، يتعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة. كما أن الحزب الحاكم في تركيا حاليّاً يؤيد حماس لأنه تجمعهما خلفيّة واحدة وهي جماعة الأخوان المسلمين”.

وقالت: “إن الحكومة التركيّة منحت أعضاء حماس جوازات سفر قانونيّة وسارية. كما يتمتع مسؤولو الحركة بحريّة على المستوى العملياتي في تركيا، وهذا ما سبّب خلافاً بين تركيا وإسرائيل”. ولم تستبعد “أن تكون تركيا هي المركز الجديد لحماس”، موضحة أن “الخيارات المتاحة أمام الحركة محدودة جداً، وأغلبها ممكن أن يكون مرتبطاً بشكل أو بآخر بمقاطعة النفوذ والسيطرة الإيرانيّة، مثل العراق، لبنان، سوريا، اليمن”. وقالت إن “هذه الجهات لا يفضّلها المجتمع الدولي، وتحديداً الإدارة الأميركيّة. كما أن حماس نفسها ليس من مصلحتها أن تكون تحت النفوذ الإيراني بشكل كامل، لأن هذا يقوّض من قوتها”.

سبق لـ”حماس” أن زارت دمشق ضمن وفد فلسطيني موسّع. وإذا تمكّن بوتين من جمع الرئيسين السوري والتركي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما، فإن الكثير من المياه سوف تتدفق من تحت الجسر الأميركي في شمال سوريا، وتصبّ في مجاري المفاوضات حول مستقبل “حماس”، ومستقبل غزّة، ومستقبل القضيّة الفلسطينيّة، ومستقبل النفوذ الأميركي في المنطقة.

لاءات ثلاث حملتها أسراب السنونو من أجواء آستانة إلى المنطقة:

ـ لا يمكن للأميركي أن يجمع الخليجي والإسرائيلي تحت خيمة واحدة بعد تغطيته مجازر غزّة.

ـ لا يمكن للأميركي والإسرائيلي فرض تسوية، بل استجداء تسوية تحفظ لهما بعض ماء الوجه.

ـ لا يمكن للأميركي الوصول إلى إيران دبلوماسيّاً إلا بعد المرور بكل الساحات المشتعلة، بدءاً بأوكرانيا، مروراً بساحات الدعم والمساندة لقطاع غزّة، ومستقبله، وللدولة الفلسطينيّة بكامل حقوقها المشروعة.