| جورج علم |
تحاول فرنسا حماية جنوب لبنان من إجتياح إسرائيلي. يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توظيف علاقاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من زعماء الدول النافذة، لتجنيب لبنان تجرّع هذه الكأس، وحتى لا يبدأ مسلسل تغيير الخرائط في المنطقة إنطلاقا من “الخط الأزرق”.
ما يقوم به بنيامين نتنياهو أبعد وأخطر من تفاصيل اليوميات الملطّخة بالدم، والمثقلة بالتدمير والتهجير. اليوميات هي البدايات، أو الأساسات التي يبنى عليها “الشرق الأوسط الجديد”. المشروع أميركي، ومتعهّد التنفيذ إسرائيلي، و”الفضوليّون” كثر، وجلّهم من حَمَلة الأسهم في بورصة المصالح يركبون الموجات المؤاتية أيا يكن هبوب الريح.
إنتهى زمن “الشعبويات”، وبناء الأبراج العالية فوق الرمال المتحركة، وفرضت الواقعية نفسها على الحسابات الصغيرة والكبيرة، وهذا ما دفع بالرئيس ماكرون إلى إرسال وزير خارجيته جان نويل بارو على عجل إلى بيروت، حاملاً تحذيراً بالشفهي والخطي “لا تريد فرنسا أن ينتقل لبنان من تحت الوصاية الإيرانيّة إلى الوصاية الإسرائيليّة، وتحويله إلى سهم يسهل إستخدامه غبّ الطلب عند تقاسم المصالح”.
– هل من دور فرنسي إنقاذي يركن إليه؟
أولاً: من حيث المبدأ، القوي من يُسمع صوته، ويُستجاب له، وقوّة فرنسا لا توازي القوّة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، ولا هي عدوّة لـ”إسرائيل”، كونها صاحبة مصالح، وشريكة في سوق المضاربات، ولها مصلحة في الدفاع عن لبنان الفرنكوفوني، وتنطلق من حسابات ممنهجة أولها أن للدبلوماسيّة مكان لا يستطيع المدفع من بلوغه، للوصول إلى تسويات قابلة للحياة. وكل حرب لا بدّ أن تنتهي بتسوية ما، تحيكها دبلوماسيّة متمكّنة.
ثانياً: إن أي إجتياح إسرائيلي للجنوب، إنما هو إعتداء سافر على الأمم المتحدة الممثّلة بالقرار 1701، وبأكثر من عشرة آلاف ضابط وجندي من “القبعات الزرق”، “اليونيفيل”، ويشكّل إهانة معنويّة كبيرة لمجلس الأمن الدولي الذي وقف يوماً وراء إصدار هذا القرار.
ثالثاً: هناك مقاربة فرنسيّة يفترض التوقف عندها مليّاً. منذ “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول الماضي، يتحدث الإعلام المحلّي، والإقليمي والدولي، عن المواجهة ما بين المقاومة والكيان الإسرائيلي. لكن أين لبنان من هذه المعادلة؟ هل عليه فقط أن يتحمّل التبعات، ويتحوّل إلى “مفعول به”، ويتولّى تسجيل عدد الضحايا ما بين قتيل وجريح ومعوّق، وتدوين أسماء القرى والبلدات، والأحياء التي إفترشت أبنيتها الأرض، وتحوّلت إلى أثر بعد عين؟ إن هذا اللبنان الذي خطفه البعض وحوّله إلى ساحة لخدمة مصالحه الإقليميّة – الدوليّة، لا يجوز ـ بنظر الفرنسيّين ـ أن يتحوّل إلى ساحة ينطلق منها مشروع إعادة ترسيم خرائط العديد من كيانات دول المنطقة.
ويبقى الرهان الفرنسي على الداخل اللبناني أولاً لحماية الحدود، ومنع الإجتياح، وإعادة “رتي” نسيج الوحدة الوطنيّة. تريد من الدولة أن تخرج من “شرنقة” صمتها، وخنوعها، وترددها، إلى الواجهة، لتقول كلمتها، وتجاهر برأيها، وتبادر إلى حماية الكيان من التفكك والذوبان قبل فوات الأوان، لا أن تبقى “متفرّجة” مغلولة اليدين، أسيرة المقطورة التي يجرها قطار “الدويلة” إلى المحاور النهمة. تريد أن تخرج القيادات والفعاليات من مربعاتها، وتتلاقى في مساحة وطنية مشتركة، حرصاً على إستمراريتها، لأن الهيكل المتداعي على أهبة السقوط، وإذا ما سقط فسيكون على رؤوس الجميع، ولن يسلم أحد. ولم يعد يكفي الكلام حول “إننا لا نريد الحرب، ونريد تنفيذ القرار 1701″، فيما الفراغ يسكن العقول قبل المطارح، والمؤسسات مترهّلة، والطاقات مشلولة، والإمكانات في خبر كان.
وتريد فرنسا من الإقليم، بقدر ما تريده من الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي. وتريد من طهران، بقدر ما تريده من تل أبيب، وتخشى أن ينقل نتنياهو، وبدعم أميركي مطلق، لبنان من “محميّة إيرانيّة”، إلى “محميّة إسرائيليّة”، تحاول مع الإدارة الأميركيّة إنقاذ ما تبقى، وإعادة الروح إلى رميم الدولة.. ولكن، هل واشنطن “عالسمع” مع إحتدام وطيس المعركة الإنتخابيّة الرئاسيّة؟ وإذا كانت “عالسمع”، فهل تلبّي، وتستجيب؟!