| هيام القصيفي |
لم تكن القوى المسيحية منصرفة عن مواكبة الحرب الدائرة، لكنها في مكان ما ظلت منكفئة حتى عن نقاش اليوم التالي للحرب، رغم ملامح استعجال مبكر حول النتائج. لكن اجتماع عين التينة اعاد احياء هواجس دفينة.
من الطبيعي ان يطغى الكلام العسكري على اي نقاش سياسي في ذروة الحرب الدائرة. لكن اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتح باب النقاش السياسي على أكثر من زاوية، لا تتعلق بالحزب وحده، بل بانعكاس الحدث على الساحة والعلاقة مع القوى السياسية الاخرى.
وجاء اللقاء الذي جمع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط ليعطي للحدث السياسي أبعاداً اخرى على تماس مع التطورات العسكرية.قبل ان تتحول حرب الإسناد الى حرب مباشرة بين حزب الله واسرائيل، من دون المرور بغزة، كان النقاش الدائر يتمحور حول اليوم التالي للحرب، مقارنة بما حصل بعد حرب تموز. مع الانتقال الى مرحلة جديدة من الحرب، من المبكر جداً معاينة مستقبلها عطفاً على التدخلات الجارية لوقف النار فيها، بدأ الكلام عن سيناريو سياسي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وإعادة فتح النقاش حول الأسماء المقترحة.
لكن اليوم التالي لا يحمل قطعاً هذا النوع من الاتجاهات في ما يخص انتخاب رئيس، لأن هذا الكلام الرئاسي يغطي الهواجس الحقيقية حول مستقبل الوضع اللبناني، وموقع حزب الله وما قد تعدّ له اسرائيل والولايات المتحدة للضغط اكثر فأكثر عليه. وهنا جوهر لقاء عين التينة.
لكن الشكل الذي اتخذه اللقاء، وتغليفه بموضوع رئاسة الجمهورية كمدخل، اثار نقزة لدى القوى المسيحية، منها ما هو خصم للحزب ومنها ما هو حليف، ولكن بمعايير مختلفة. الخصوم رأوا فيه تكرارا لاتفاقات سابقة ابعد فيها المسيحيون عن التحالفات السياسية، بدءا من مرحلة ما بعد الطائف وصولا الى ما بعد 2005، ولا يمكن اعتبار اي زيارة لميقاتي الى بكركي تعويضاً عن هذا الغياب عن التحالف المستحدث، ولا محاولات جنبلاط تطمين حلفائه. علما ان مواكبي مرحلة اتفاقات 2006، كانوا يعتبرون الاقرب سياسياً الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والمفاوضات التي كانت تجري مع الخارج، انما ظلت في اطار من تفاهمات ظللتها اللقاءات الداخلية بين قوى 14 آذار والسنيورة الذي خاض المفاوضات بالتنسيق مع بري.
اليوم لا يمثل ميقاتي هذا التقاطع، ولو ان قوى مسيحية كالقوات ظلت على تفاهم معه، فيما حاول جنبلاط منذ بداية الحرب وضع نفسه في خانة مختلفة عن مسار معارضي الحزب وخوضه حرب الاسناد.
اما حلفاء حزب الله، ولا سيما التيار الوطني الحر الذي يعيش توتراً داخلياً، فهم امام ارباك متواصل بين عدم وجود قاعدة مسيحية عريضة يمكن الاتفاق عليها في مواجهة اي تطور سياسي ينتج عن الحرب، وبين الرغبة في الحضور ولو هامشياً في اعادة انتاج مواقف متصلة ان بحضور جلسات مجلس الوزراء او بالمشاركة في قرار تسمية رئيس توافقي وانضاج التسويات حوله. وفي الحالتين يصبح الارباك عنوانا لا يقلل منه سقف الوقوف ضد الاعتداء الاسرائيلي، لأن اليوم التالي لوقف الحرب يحتاج الى أدوات سياسية مختلفة.
ومفارقة ما يجري توازياً مع الحرب، ان القوى السياسية لا تزال تتعاطى مع حدث كبير بهذا الحجم، بأدوات تقليدية. وحتى الايام الاخيرة التي سبقت اغتيال نصرالله، كانت هذه القوى تتصرف من وحي الاستعداد للانتخابات النيابية، رغم دخول لبنان لاشهر طويلة حرب الاسناد، اضافة الى التهديدات الاسرائيلية.
منذ الان بدأ البحث عن اليوم التالي لوقف النار، لانه حينها سيعاد طرح الاشكالات نفسها: من الذي سيكون حاضرا للتفاوض، ثلاثي عين التينة، ام الحكومة او القوى المعارضة، ام حزب الله؟ وهل الاخير كان ممثلا في عين التينة رغم ان بري حريص على التذكير بالتفاهمات مع الحزب؟ وهل معالجة الوضع اللبناني تنحصر بانتخاب رئيس للجمهورية او في ما بعد الانتخاب، في بلد منهار اقتصاديا ومفلس، ويعاني من ازمات اجتماعية وصحية لا تعد ولا تحصى، وتضاف اليها اليوم ازمة النزوح الداخلي وما يترتب عليها من امور لوجستية ثبت ان الحكومة بكل ادواتها ليست مهيأة لمعالجتها؟
رمى ثلاثي عين التينة الكرة في ملعب المسيحيين لجهة الرئاسة، وسبق ان طالبهم بري مرات عدة بالاتفاق في ما بينهم على رئيس. لكن المشكلة، تكمن في مكان آخر، ولا قدرة للقوى المسيحية على مواجهتها، وتتعلق بمرحلة جديدة يعيشها الحزب ولبنان معا. علما ان القوى المعترضة نفسها هي التي غابت في الاشهر الاخيرة عن رسم استراتيجية واضحة في ضوء كل الاحتمالات المطروحة على الطاولة، وهو ما شكا منه اكثر من موفد غربي وعربي.
والمشكلة التي ستجد القوى المسيحية نفسها امامها، كما القوى الاخرى التي تمثلت بطريقة او بأخرى في عين التينة، ان التجارب المتكررة طول مراحل الحرب اللبنانية، واليوم يستذكر اللبنانيون مع اغتيال نصرالله كل المحطات المفصلية فيها، ان اليوم التالي للحرب لم يكن يوما لصالح معالجة وطنية شاملة وجذرية للوضع اللبناني، بل كان دوما ينتج حلولا يستفيد منها اطراف على حساب آخرين، مهما كان شكل التسوية، محلية او اقليمية او دولية. والعبرة بعد لقاء عين التينة، ان يكون ما احدثه من نقزة كفيلاً بأن يوقظ القوى النائمة على توقعات وانتظارات، من اجل ان تستعد لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان الحديث.