بوتين يلبّي دعوة بايدن إلى “وليمة” الـ 95 مليار!

| جورج علم |

أهدى الرئيس الأميركي جو بايدن صديقه الروسي اللدود سلّة طافحة بالمليارات (61 مليار لأوكرانيا)، تلقفها بطيبة خاطر، برمجها وفق الحاسوب الروسي، وجاءت النتائج:

• إستنزاف أوروبا، وحملها على تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، من “اللحم الحي”.
• إطلاق يده في استقدام الأسلحة المتطوّرة إلى حقل الرماية الأوكراني لاختبار جودتها، وفعاليتها.
• تأجيج حركات الإحتجاج في الداخل الأميركي ـ الأوروبي ـ الغربي على السياسات المتبعة في الشرق الأوسط، وأوكرانيا، والأمر لم يعد يقتصر على حراك الجامعات، بل بدأ يشمل قطاعات أكثر حيويّة، وتأثيراً.
• وضع الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في تشرين الثاني المقبل أمام تحالفات دولية مناهضة لسياسة القطب الواحد.
• مضاعفة المآسي البشريّة والإقتصاديّة من جراء إستمرار الحروب، وتأجيج براكينها المتفجّرة، من أوكرانيا، إلى الشرق الأوسط، إلى بحر الصين.

ويبقى الأهم، إطلاق يده (بوتين)، في بناء تحالفات إستراتيجيّة، والخروج من العزلة، وأول الغيث زيارته المرتقبة إلى بكين في المستقبل القريب، وهي الأولى التي يقوم بها إلى الخارج، بعيد إنتخابه رئيساً لولاية جديدة على كرسيّ بطرس الأكبر في الكرملين.

وتعتري المشهد تساؤلات محيّرة، عندما يمنح الرئيس بايدن 12 مليار دولار إلى تايوان لدعم نشاطاتها الإنفصاليّة عن الصين، ويرسل في الوقت عينه وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى الرئيس شي جينبينغ، طالبا منه التعاون البناء. ترى هل بهذا المعول يمكن بناء جدار الثقة؟ وأين المصداقيّة بهكذا أساليب؟!

ذهب بلينكن إلى بكين، مستبقاً وصول الرئيس الروسي اليها، في محاولة “لتفخّيخ” القمّة الروسيّة ـ الصينيّة المرتقبة، عن طريق إثارة الملفات الخلافيّة، وتقديم العروض المغرية لمعالجتها وفق مقتضيات المصالح المشتركة. لكن، كما يقول المثل التركي: “الأرض بتدور.. وبتكشف المستور.. وعند الحساب كل شي بالدور”. وفي سنة الإنتخابات الأميركيّة الصعبة، ليس من مصلحة الديمقراطيّين، ولا إدارة الرئيس بايدن، إشعال قبّة اللهب في سماء تايوان، خصوصاً وإنها مشتعلة بقوّة في سماء أوكرانيا، وأيضاً في الشرق الأوسط. ومع 26 مليار دولار من الكونغرس إلى تل أبيب، يعني أن الإدارة الأميركيّة مصرّة على دعم حكومة بنيامين نتنياهو، لكي تتمادى أكثر في إرتكاب المجازر، والدخول في مرحلة تغيير الخرائط في الشرق الأوسط.

وبقدر ما فاض الإعلام الأميركي بالإنبهار، وهو يتحدث عن سلّة الـ95 مليار التي وزّعها الكونغرس على أوكرانيا و”إسرائيل” وتايوان، يفيض الآن بالحديث عن التداعيات، وأولها “إستعداد كلّ من روسيا والصين على توسيع وتوثيق تعاونهما العسكري مع إيران”. جاء ذلك على هامش إجتماع وزراء دفاع دول منظمة شنغهاي للتعاون الذي عقد في كازاخستان الأسبوع الماضي.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو “إن روسيا مستعدة لتوسيع التعاون العسكري والتقني مع إيران”، وذلك خلال إجتماع مع نظيره الإيراني محمد رضا أشتياني. وأكد “أن إيران شريك إستراتيجي لبلاده في الشرق الأوسط”.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر ثقة “أن إيران زودت روسيا بعدد كبير من صواريخ أرض ـ أرض الباليستية، في خطوة تعزّز التعاون العسكري بين البلدين”. ونقلت وسائل إعلام إيرانيّة في تشرين الثاني الماضي من مصادر مطلعة قولها “إن طهران أكملت ترتيبات شراء طائرات روسيّة مقاتلة من طراز “سوخوي ـ 35″، ومروحيات روسيّة الصنع، وذلك في إطار توطيد العلاقات العسكريّة”. وباتت المعادلة ثابتة: سلاح روسي في الشرق الأوسط، يواجه السلاح الأميركي ـ الأوروبي ـ الغربي. مقابل سلاح إيراني في أوكرانيا، يواجه سلاح حلف الأطلسي”.

وتأتي القمّة الروسيّة ـ الصينيّة المرتقبة، كمحطة ضمن مسار طويل يهدف إلى قيام عالم متعدد الأقطاب في مواجهة القطب الواحد. وهناك عناوين ثلاثة، لغاية الآن، مدرجة على جدول أعمالها: إبرام المزيد من إتفاقيات التعاون بين البلدين. التفاهم على مقاربة واحدة مشتركة للوضعين في الشرق الأوسط، وأوكرانيا. مواجهة المخططات الأميركيّة المرسومة من بحر تايوان إلى البحر الأحمر والمتوسط ، وصولاً إلى البحر الأسود.

ووسط هذا الهامش الدولي العريض، المفتوح على نماذج عدّة من المواجهات، في سنة الانتخابات الأميركيّة، يتحرّك الفرنسي على جبهة القرار 1701 مرسماً بأفكار واقتراحات يعرضها على مفلسين، بهدف تكوين رأسمال يمكن البناء عليه. فيما الحقيقة واضحة، العقدة ليست عند الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي. إنها عند طهران أولاً، وحزب الله ثانياً، وقد قالها نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، صريحة، قبيل وصول وزير الخارجيّة الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت. “جبهة الجنوب، ستبقى جبهة مساندة لغزّة، وعندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع، عندها يصبح ممكناً البحث حول وقف النار من عدمه في الجنوب. أما الضمانات الأمنية، والترتيبات، والبحث في القرار 1701، وآلية تطبيقه، فلا تحتاج لا إلى ورقة فرنسيّة، ولا أميركيّة، بل ورقة المقاومة بعناوينها وتفاصيلها المكتوبة بدماء الشهداء الذين سقطوا ويسقطون على أرض الجنوب”.

القرار اللبناني الرسمي، مصادر. الجنوب رهينة، ولا يمكن تحريره من هذه المعادلة الصعبة والمكلفة إلاّ باعتماد أحد خيارين: إما حرب واسعة، مدمّرة تعيد خلط الأوراق، وتنتهي إلى فرض واقع جديد على الأرض. أو إعتماد الدبلوماسيّة الفاعلة للوصول إلى تسوية. أو “صفقة كبرى” تحقق لطهران بعض طموحاتها الإستراتيجيّة، مقابل تدوير زواياها الحادة في لبنان…

وتبقى “كلمة السر” الأميركيّة، ضمن مغلّف الـ26 مليار دولار، كيف ستنفق حكومة العدو هذا المبلغ؟ وأين؟ وما هي التداعيات؟… الجواب في عبّ المستقبل الآتي…

* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها

error: Content is protected !!
error code: 522