| رندلى جبور |
يقف “الحوثيون”، اليمنيون، وقفة مشرّفة وجريئة على “باب المندب”، دعماً للفلسطينيين.
هذه الوقفة مقدَّرة في زمن الصراع على السلطات، لأنها تُظهر أن هناك من لا يزال مستعداً لحمل قضايا كبرى.
وهذه الوقفة يُشهد لها في زمن الخضوع والوقوف في الصف الغربي، لأنها تُدلّل على جرأة وثبات في مواجهة السياسات المفروضة فرضاً.
وهذه الوقفة يمكن أن تشكّل أمثولة بأن مجموعة صغيرة يمكنها أن تغيّر في معادلات استراتيجية كبرى، إذا امتلكت الإرادة الصلبة والادارة الجيدة للتعامل مع الأحداث.
وفي المعلومات، أن الحوثيين تلقّوا عرضاً مغرياً للإمساك بالسلطة في اليمن، لعقد من الزمن على الأقل، من دون أن يواجههم أحد، شرط أن يكفّوا عن المواجهة في البحر الأحمر.
كان يمكن لهذا الترغيب أن يُخضع أي دولة، أو حزب، أو جماعة… جلّ همّهم الحكم والسلطة. ولكن الحوثيين لم يقعوا في مثل هذا الفخ المغري، ولم يبتلعوا “الطُعم” الذي عُلّق في “”صنارة” السياسات الدولية الموالية للعدو الاسرائيلي.
فالحوثيون يشتغلون بالمبدأ. هم مناصرون لإخوانهم الفلسطينيين، ولن يتوقفوا عن نصرتهم إلا إذا توقفت الاعتداءات الاسرائيلية. مبدؤهم مقترن بفعل يوجع الاقتصاد الإسرائيلي في مسألتي التصدير والاستيراد، ويهدد مصالح الدول والشركات الكبرى الداعمة للاحتلال من خلال اليد التي توجع، وهي التجارة الدولية في أحد أهم الممرات المائية.
والحوثيون، الذين لم يخضعوا للترغيب، لم يخضعوا أيضاً للترهيب المتمثل بتشكيل لوبي بحري ضدهم، وبتهديد أميركي مباشر بشن عملية عليهم إذا لم يتوقفوا. وكان الردّ، ليس اكتفاءً بما يفعلون الآن، بل بالتهديد المقابل للأميركيين، أن إذا فعلتم، سنمنع السفن الأميركية والبريطانية من العبور عبر هذا الباب الحيوي، بعد استهداف السفن المتوجهة إلى موانئ الاحتلال أو التابعة له أو المتعاملة معه.
موقف الحوثيين هذا يرسي جوّاً جديداً، يسهم في المزيد من تعديل المعادلات، الاستراتيجية الإقليمية والدولية، ويؤكد أن الاحتكار العالمي سقط، وأن التحكم بالممرات لم يعد ملكاً لجهة بعينها، وأن الأحادية لم تعد تجدي، وأن هذا العالم ليس لعبة بيد “الأقوياء” بالمفهوم القديم، ويؤسس لمفاهيم مختلفة عن تلك التي كانت قائمة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
الحوثيون يقولون “من تحت الماء”: إن العالم على طريق التغيير الفعلي والجدّي، وإن الهزيمة العربية ليست قدراً حتمياً!