بالكاد “حبّة أسبرو” من هوكشتاين!

| جورج علم |

إيران إلى طاولة المفاوضات، حول خريطة “الشرق الأوسط الجديد”.

قد تكون حاضرة مباشرة، أو بالوكالة.. هذا تفصيل…

المهم أن كل المحاولات التي هدفت إلى إبعادها قد باءت بالفشل. “حماس” لا زالت صامدة في غزّة، تعلن ما تريد، وما لا تريد. “حزب الله” لم يرفع الراية البيضاء، صواريخه جوّالة في عمق كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويحسب لها حساب، وعند التوصل إلى وقف لإطلاق النار سيكون إلى الطاولة مباشرة، أو بالتنسيق مع “الأخ الأكبر” الرئيس نبيه برّي.

والطاولة ليست جاهزة، ينقصها التصميم، وعدد المقاعد، وما سيشقّع فوقها من ملفات. الشيء الوحيد أن الأقنعة قد سقطت. لا الولايات المتحدة قادرة على سجن إيران داخل قمقم عقوباتها، ولا “إسرائيل” قادرة على تخطّي الخطوط الحمراء التي تسوّر منشآت إيران النوويّة والنفطيّة. والدليل أن الضربة ـ المهزلة التي وجّهتها تل أبيب إلى طهران كانت طافحة بالعيوب، والمآخذ، وعلامات الإستفهام المحشوّة بالمصالح المتشعّبة التي تستهلك كلّ هذا الكم من الضحايا بإسم شعارات أبعد ما تكون عن الحقيقة.

أليس معيباً القول بأنها حرب ضروس؟! وكيف تكون كذلك عندما يأخذ الإيراني علماً بتوقيت الضربة الإسرائيليّة، وحجمها، والأماكن التي ستكون عرضة للإستهداف؟

وما المرجو من هذه المسرحيّة الدامية، إذا كانت خريطة الطريق مرسومة سلفاً بريشة أميركيّة، ومتفق بشأنها مع الأطراف المعنيّة، وما قد يسفر عنها، ويترتّب عليها؟

وشهد العالم الفصل الأول من هذه المسرحيّة، عندما أمطرت طهران تل أبيب بنهر من الصواريخ والمسيّرات، كانت محسوبة سلفاً مع الولايات المتحدة، وإستطراداً “إسرائيل”، من حيث التخطيط، والتوقيت، والأهداف، والخسائر التي يقال إنها كانت محدودة.

يقود هذا “السيناريو” إلى إستخلاص عِبَر من ما قد حصل، قبل التوغّل في ما قد يحصل في المستقبل!

العبرة الأولى: أن “المايسترو” الأميركي ضالع، ومتمكّن، ويعرف كيف يوزّع الأدوار، ويضبط الإيقاع ما بين الإيراني والإسرائيلي. وكلّ البطولات التي تصدح بها الحناجر، وتسوّقها المنابر، إنما هي ” من تنك يلمع ذهباً”.

الثانيّة: إن بنيامين نتنياهو “ولد مطيع”. وكلّ التهديد والوعيد الذي أطلقه ضدّ إيران قد ذهب مع الريح، وعندما دنت ساعة الحقيقة إمتثل لرغبة البيت الأبيض. قال له “المرشد الأميركي”: ممنوع عليك ضرب المنشآت النوويّة، والبترولية.. فكان له ما أراد.

الثالثة: كثر الكلام حول التباين في المواقف ما بين الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، حول غزّة، ومواصفات اليوم التالي، لكن يتبيّن من حيث الممارسات اللإنسانيّة أن نتنياهو يحقّق بنك أهداف أميركي ـ إسرائيلي، وكل الفظائع التي يرتكبها، سواء في غزّة أو في لبنان، إنما هي مهمورة بتوقيع أميركي، وبدعم لا حدود له من المليارات، والطائرات، والبطاريات، والمسيّرات، والمخابرات، واللوجستيات! أليس لسان حال الإدارة الأميركيّة بأن “أمن إسرائيل فوق أي إعتبار”؟!

الرابعة: أن الأميركي، والإسرائيلي، والإيراني، يرسمون صكوك مصالحهم بدم عربي. يتقاتلون في الساحات العربية، بسواعد عربيّة، وبطاقات وإمكانات عربيّة. غزّة عربيّة، لبنان عربي، سوريا، العراق، اليمن… فيما المستثمر المستفيد هو الأميركي بالدرجة الأولى، ثمّ الإيراني، والإسرائيلي…

الخامسة: أن الساحة اللبنانيّة تضجّ بالموفدين، والمبعوثين، ووزراء الخارجية من كل صقع، وهويّة، يسرحون، ويلتقطون الصوّر، ويوزّعون الإبتسامات والتصريحات، ويغادرون المكان من دون أي أثر يذكر. وعندما يأتي السيّد هوكشتاين، يتهيّب الجميع، تنصت الآذان، تكثر التنظيرات والترجيحات والتحليلات، يتوقف النصت عند كل كلمة يتفوّه بها، وعبارة يقولها. إنه “المندوب السامي”، أو الناطق بإسمه، وعلى موقفه تبنى أساسات، علماً بأن كل ما يقوم به قد يكون نوعاً من مضيعة الوقت بإنتظار أن يحسم الخامس من تشرين الثاني أمره، ويقول من الذي سيدخل سعيداً عتبة البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة.

قد يُصار إلى بوح بإلتقاط الأنفاس، لبعض الوقت، في أي وقت، قبل الخامس من تشرين، وهذا ـ إن حصل – يخفي في طياته مآرب أخرى ستظهر لاحقاً، وتباعاً، على السطح، وتعرف عناوينها بعد الخامس من تشرين عندما تستكمل الإجراءات المتعلّقة بالطاولة، ويصار إلى التفاهم حول شكلها، وهندستها، ومن يفترض أن يجلس حولها، علماً بأن المقاعد الوثيرة محجوزة سلفاً للأميركي، والإسرائيلي، والإيراني ـ إن حضر – وإلاّ وراء الكواليس، ويأتي في ما بعد الأوروبي، والعربي، واللاهثون بحثاً عن الفتات!

الحقيقة المؤلمة أن الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي، توافقا على تصويب البوصلة بإتجاه واشنطن لوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701. لكن الأخيرة منهمكة بأمور كثيرة، تقول في مجالسها إن لبنان مدرج على قائمة إهتماماتها، ولكنه ليس في مقدّمة الأولويات… وترسل الينا آموس هوكشتاين لعلّه يستطيع أن يمرّر لنا حبّة أسبرو!