كيف يؤثر صراع المصارف والمودعين على سعر صرف الدولار؟

/سارة طهماز/

يشهد سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، تذبذباً، منذ ما يقارب العامين ونيّف، وقد استقر لفترة ليست بقصيرة نظراً للهبّات التي شهدها، عند مستوى الـ 30 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ولكنّه في الأسبوع الأخير ما لبث أن بدأ يصعد تدريجياً ليلامس حدود الـ 32 ألف ليرة لبنانية. فهل ساهم إضراب قطاع المصارف بهذا الارتفاع؟ أم حادثة مصرف “فيدرال بنك” في الحمرا؟

هي أزمة ضغطت على عقول اللبنانيين وأثرت في أوضاعهم الاقتصادية، فباتوا غير قادرين على التمتع بجنى عمرهم الذي حصدوه وأمنوا المصارف عليه، وبالتالي ودّعوا حياة الرفاهية.. لا بل الحياة الكريمة والطبابة، والعديد من الأمور التي تأثرت قطاعاتها بالأزمة كالدواء والخبز، كأبسط مثال.

ماذا عن سعر الصرف؟ هل يرتفع، أم ينخفض، أم يحافظ على استقراره؟

ارتفاع سعر صرف الدولار يرده الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي، في حديث لموقع “الجريدة”، إلى عدم وجود أي إصلاحات مالية ونقدية في البلد منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، فمصرف لبنان يحاول ضبط العملية وتأخير ارتفاع سعر الصرف لعدم وجود أي مقومات حقيقية تضبط الدولار بجدية، فالمصرف المركزي يستخدم أموال السوق في منصة صيرفة، ويستعمل الليرة لتسيير بعض الأمور، مما يكبده خسائر كبيرة، صحيح أنه يستطيع لجم السوق، ولكن لفترة محدودة، ويجب أن ندرك أن سعر الصرف يزحف صعوداً، وهي أمور غير مستدامة”.

ورأى جباعي أن سعر الصرف من الصعب أن يتوحد إن لم تكن هناك خطة تعافي اقتصادية، واتفاق بين الجهات المعنية على تحديد الخسائر المالية في البلد، وإقرار قانون “الكابيتال كونترول”. أما الآن فسعر الصرف تصاعدي، وإن توقف مصرف لبنان عن التدخل المصطنع في سوق الصرف، فإن سعر الدولار سيتخطى الـ 40 ألف ليرة، وهو ما سيحصل عاجلاً أم اَجلاً، وهذه إجراءات مؤقتة لن تفيد إلا بفرملة ارتفاعه لمدة محدود. وما حصل في المصرف في الحمرا من الممكن أن يؤثر نوعاً ما، إلا أن الدولار سيرتفع لسبب واضح وصريح، وهو أن الدول الفاعلة في لبنان لا تتدخل لدعمه مالياً، أما المصرف المركزي فلا يملك الدولارات المطلوبة للتدخل وتأمين حاجات الاستيراد اللازمة، في ظل اقتصاد يعتمد على الاستيراد من الخارج، وغياب أي خطط إنمائية، ووجود عجز في الميزان التجاري، وتقلص الدولارات في المصرف المركزي، بالإضافة إلى أن أموال المغتربين والسواح تُصرف في السوق، مما سيساهم في التضخم وارتفاع سعر الصرف.

هل تسترد الودائع بالقوة؟

يصف جباعي المودعين بأنهم “الحلقة الأضعف” في البلد، فهم يتحملون أكبر الخسائر منذ بداية الأزمة، بسبب تقاعس الدولة بكافة أركانها عن إيجاد مخرج وحلول للأزمة. كما أن المصارف تدخل ضمن هذه الخطة، على الرغم من أنها غير قادرة وحدها على رد أموال المودعين إذا لم يكن هناك تدخل من قبل الدولة، التي استخدمت أموال المودعين عبر سياساتها الخاطئة وعبر استدانتها هذه الأموال من المصرف المركزي الذي أتى بها من المصارف، والمصارف استخدمت لهذه الغاية أموال المودعين”.

لكن جباعي يعتبر أن السلّة الكاملة للنهوض الاقتصادي، من خطة تعافي مالي واقرار “الكابيتال كونترول” ومن ثم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أساسية لإعادة الثقة، غير كافٍ، فيرى أن لبنان يحتاج إلى مصادر أخرى للتمويل عبر وقف الهدر الضريبي، العقارات البحرية وأملاك الدولة، وهذه الخطوات لا تتخذها الدولة في الوقت الحالي، ولذلك هي مسؤولة عن الأزمة مباشرة. ويحذر الخبير الاقتصادي من أنه إذا لم يكن هناك حل سريع للأزمة، عبر حوار بين الدولة والمصارف والمودعين على كيفية رد الأموال، ستتكرر حادثة الحمرا، واستخدام القوة لاستعادة الودائع والحقوق، ومن الممكن أن نصل إلى ما لا يحمد عقباه.

إضراب القطاع المصرفي

المصارف جزء من الأزمة، إلا أنها ليست السبب الوحيد للمشكلة الاقتصادية القائمة، فنحن نعاني من سياسات خاطئة، وعلى الدولة أن تغير من هذا النمط المستخدم وإشراك قطاع المصارف في الحل بالتعاون مع الدولة والمصرف المركزي، فالمرحلة لا تحتمل أي إضرابات جديدة لقطاع المصارف، خصوصاً وأنه يشهد حركة إنعاش عبر منصة صيرفة وإقبال الشركات الأجنبية لاستخدام هذا القطاع في معاملاتها التجارية، فضلاً عن استفادة الموظفين (المصارف والقطاعين العام والخاص) منها، والمودعين من التعميم 158 المقبول نوعاً ما، وكذلك التعميم 161، على حد تعبير جباعي.