قاعدة الوقت كالسيف باتت تحدد مقاس وفعالية كل الإستحقاقات، والملفات من النفط إلى الحكومة والرئاسة وغيرها.
وانطلاقاً منها كانت لغة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحازمة أمام وفد مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان بأن لم يعد من وقت للماطلة والتأخير في ترسيم الحدود البحرية، مشدداً على وجوب السماح للشركات التي رست عليها المناقصات بمباشرة عملها، لا سيما أنه لا مبرر على الإطلاق لهذا التأخير أو المنع.
ترسيم لجدول أعمال الجلسة النيابية المقبلة تم في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب تمهيداً لدعوة الهيئة العامة أوائل الأسبوع المقبل.
وبلغة الوقت للحدّ من الإنهيارات شدد المكتب السياسي لحركة أمل على ضرورة الإبتعاد عن سياسة المناكفات والمماطلة وطرح الشروط في ملف تشكيل الحكومة ورسم خريطة واضحة لخطة التعافي الإقتصادي.
في الشأن المعيشي يواصل القطاع العام إضرابه، فيما حضر هذا الملف في إجتماع اللّجنة الوزارية الخاصة بإدارة المرفق العام في السراي الحكومي.
هذا الإضراب رغم أحقيته ليس الحل المستدام قال رئيس الحكومة لأنه يتسبب بشل كل مفاصل الدولة ووقف الإيرادات لكنه أكد محاولة مقاربة أفكار جديدة لعله يمكن التوصل إلى حل مقبول من الجميع، فتلبية المطالب دفعة واحدة أمر مستحيل ويتسبب بإنهيار أوسع، ونحن لسنا في هذا الوارد، قال ميقاتي.
انه الوقتُ الخانقُ بحراً وبرا، الفارضُ على الجميعِ مسابقتَه بحثاً عن حلولٍ لعلَّها تُنقذُ لبنانَ وأهله..
فعندَ الخطوطِ البحريةِ وترسيمِها لم يعد هناكَ وقتٌ للمماطلةِ والتأخير ، ويجبُ السماحُ للشركاتِ التي رَسَت عليها المناقصاتُ بمباشرةِ عملِها .. هذا ما سَمِعَهُ وفدُ مجموعةِ العملِ الأميركيةِ من أجلِ لبنانَ عندَ الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، ولا مبررَ على الإطلاقِ لهذا التأخيرِ أو المنعِ كما سمعَ الوفدِ القادمِ للاستطلاعِ على ارضِ الواقعِ اللبنانية، المحترقةِ بالعقوباتِ والممارساتِ الأميركية..
اما الممارساتُ اليوميةُ على البرِّ السياسي اللبناني فخطوطُها متداخلة، بل مجدولةٌ بعُقَدٍ باتت تأكلُ كلَّ المهل ، اما مأكلُ ومشربُ اللبنانيينَ فما زالا حَبيسَينِ عندَ بعضِ قُطَّاعِ الطرقِ من تجارٍ ومحتكرين، حيثُ ازمةُ الرغيفِ المفروضةُ على جميعِ المناطقِ باقيةً وتَتمدَّد، تحتَ اعينِ الدولةِ العاجزةِ امامَ تلكَ العصاباتِ المتحكمةِ بالاقتصادِ وبارزاقِ اللبنانيين، اما اضرابُ الموظفينَ الممتدُّ لأسابيع ستةٍ فقد كانت محاولةٌ اليومَ في السرايِ الحكومي لوضعِ حلولٍ مؤقتة، ابرزُ مقرَّراتِها صرفُ راتب إضافي لكل موظفٍ عن شهري تموز وآب، اضافةً الى رفعِ بدلِ النقلِ عن كلِّ يومِ عملٍ الى خمسةٍ وتسعينَ الفَ ليرةٍ، على ان يكونَ حضورُ الموظفينَ ليومينِ على الاقلِ لتسهيلِ امورِ الناس.
حلولٌ وَصلت الى روابط الموظفينَ بانتظارِ جوابٍ منهم، وخصوصاً انَ رواتبَهم – كما الدولة – في خطرٍ ما لم يَعُودوا الى العملِ لتسييرِ المرفقِ العام، وتأمينِ ما امكنَ من واردات، على ما قالَ الوزراءُ المجتمعون .
في الاقليمِ لم تُطَمئِنْ اقوالُ الرئيسِ الاميركي ولا زيارتُه الحلفاءَ الغارقينَ في تشعبِ الازمات، وقبلَ ان تنتهيَ ترجمةُ قمةِ جدةَ وخيباتُها، باتت الاعينُ شاخصةً الى القمةِ المرتقبةِ في طهرانَ بينَ قادةِ ايرانَ وروسيا وتركيا، والقراءاتِ في جدولِ اعمالِها وخاصةً انها تترافقُ معَ زيارةِ وزيرِ الخارجيةِ السوري فيصل المقداد الى الجمهوريةِ الاسلامية..
اما كلامُ رئيسِ المجلسِ الاستراتيجي للسياساتِ الخارجيةِ في ايرانَ كمال خرازي عن قدراتِ بلادِه النوويةِ فقد وضعَ العدوَ في قمةِ المأزقِ معَ دعوةِ كبارِ المحللين العسكريين والامنيين الحكومةَ العبريةَ الى مراجعةِ واعادةِ تحليلِ معلوماتِها الاستخبارية..
قيل لنا يوماً، شكِّلوا حكومة، يبدأ الحل.
شكَّلنا حكومة، هي حكومة تصريف الأعمال الحالية، فابتعد الحل.
بعدها، قيل لنا: إجراء الانتخابات النيابية في موعدها هو بداية الحل.
أجرينا الانتخابات النيابية في 6 و8 و15 أيار، فابتعد الحلُّ أكثر.
واليوم، يقولون لنا: انتخبوا رئيساً جديداً للجمهورية، فهو الحل. ويا خوفنا أن ننتخب الرئيس الجديد، فيصبحَ الحلُّ بعدَها أبعدَ من أيِّ يوم مضى.
أما خلاصة هذا الكلام، فبالتالي: الأزمة اللبنانية ليست أزمة حكومة حتى يحُلها التأليف، ولا أزمة انتخابات نيابية حتى يحُلَّها التشريع، ولا أزمة انتخابات رئاسية حتى يحُلَّها عهد جديد.
فأياً تكن الحكومة، وأياً يكن مجلس النواب، وأياً يكن شخص رئيس الجمهورية، لا حلَّ في لبنان إلا بمقاربة أساس الأزمة، في جوّ من الصراحة، وبروحية كسر الدائرة المفرغة، لمصلحة الجميع. وأساس الأزمة في لبنان اليوم، ليست في النظام السياسي كنظام، ولا في الطائف كطائف، بل في ثغرات دستورية واضحة تمنع اتخاذ القرار، فتتهم الجميع بكل شيء، وتعفي الجميع من كلّ شيء في الوقت نفسه.
وطالما يرفض اللبنانيون الإقرار بهذا الواقع، سيبقَون على تخبطهم بمشكلاتهم الموروثة، وستبقى الحلول الترقيعية، على شاكلة ما اعلن اليوم حول رواتب القطاع العام من السراي الحكومي، هي سيدة الساحة، في غياب القدرة على اتخاذ القرارات الجوهرية المطلوبة، والمعروفة من الجميع، والتي تختصرها كلمة واحدة هي الإصلاح.
ما دام التشكيلُ مستبعدا، والحكومة الجديدة تنطبق عليها صفةُ المؤجَّل، فإن صفة المعجل تتركَّز على الملفات الحياتية والمعيشية:
اول الملفات إضراب موظفي القطاع العام الذي دخل شهرَه الثاني. الهوة مازالت واسعة بين الحكومة التي لا تستطيع تلبية المطالب دفعة واحدة، وبين مطالب الموظفين الذين لا يوافقون على تجزئة المطالب.
اجتماع السرايا أفضى إلى سلسلة من القرارات التي هي أشبه بوعود، فهل سترضى رابطة موظفي القطاع العام بهذه القرارات – الوعود؟ الرابطة ستعكف على درس عروض الحكومة، وتبني على الشيء مقتضاه، وهذا لن يحصل قبل غد.
الملف الثاني هو ملف الطحين والخبز الذي يزداد تعقيدًا:
يبشِّر وزير الإقتصاد بأن رفع الدعم عن الطحين سيتم قريبًا بحيث يرتفع سعر ربطة الخبز، ولكن ماذا عن الطحين المدعوم المخبأ لدى المطاحن والتجار والأفران؟ هل سيبيعون مخزونَهم المدعوم قبل بدء السعر غير المدعوم؟ أم يحتفظون بالمدعوم لبيعه على سعر غير مدعوم، كما كانت تفعل المحطات؟ اليس مطلوبًا الكشف عن المخزون المدعوم قبل رفع الدعم؟
يقول المثل: إعطِ خبزَك للخباز ولو أكل نصفه. لكن في لبنان إذا أعطيتَ خبزَك لدوائر في وزارة الإقتصاد فقد تأكلُه كلَه، وهذا ما سيرِد في تقرير مفصل في سياق النشرة حيث منظومة قطع الخبز عن المواطن مؤلفة من مسؤولين في وزارة الإقتصاد ومطاحن وأفران، وهؤلاء لهم “ربٌّ يحميهم”، ولا يخشون قضاء أو إعلام، ورأس الخيط يبدأ من وزارة الإقتصاد، فهل مَن يجرؤ على الدخول إلى مغارة الأربعين فاسدًا؟
نيابيًا، أقرت لجنة المال والموازنة قانون تعديل السرية المصرفية بما يخدم، بحسب رئيس اللجنة ابراهيم كنعان، مَنعَ التهرب الضريبي ومكافحة الفساد وتمويل الارهاب والاثراء غير المشروع. كنعان تحدث عن ضوابط لجنة المال التي تحدد الجهات المسموح لها برفع السرية المصرفية “ومش كل مين طلع عبالو يرفع السرية فيه يرفعها” فهناك شروط يجب تأمينها.
دوليًا، حفاوة فرنسية بالغة برئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وتعويل فرنسي على اتفاق يعزز وضعَها بالنسبة إلى المحروقات في ظل توقف ضخ الغاز الروسي.
حطت مجموعة العمل الأميركية في لبنان، فوجدته دولةً تتجه الى ان تكون فاشلةً بتعبير احد اعضاء الوفد، وما يعزز هذا الاتجاه، ان المجموعةَ استمعت الى تقييم المسؤولين اللبنانيين، ورصدت قدرتَهم على تصنيع الآت ٍ للكذب وليس اتقانه فحسب .
فأمام الوفدِ الاميركي ظهرَ الرؤساءُ على صورة الناشطين الاجتماعين المكافحين للتغيير، فيما الشعب يمنعهم من اتمام انجازاتِهم، سواءٌ في الاصلاح او في ترسيم الحدود البحرية مع العدو.
واعطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إفادةً مضلِّلةً على مرأى الوفد، واتهم مسؤولين على مرِّ السنوات الماضية بالامتناع عن معالجة فسادٍ نخر الادارات، وكاد عون بان يُدلي بالقسم مرةً ثانية قائلا إنه لم يوفر جهدا الا وبذله من اجل تحقيق الاصلاح المنشود، لكنه كان يصطدم في كل مرة بعقباتٍ داخلية تركت آثارَها السلبيةَ على تطور الاوضاع، خمسُ سنوات ٍ وتسعة ِ اشهر، وميشال عون يصطدم ويَمنعهُ المسؤولون من تحقيق حلم الرئاسة الذي تحوّل كابوساً على الشعب العظيم.
وبقدرة خارقة حيّد عون نفسَه عن المسؤولين وجلس في مقاعد ِجمعيات حقوق الانسان ولم يسجل على عهده انه حكَمَ كفريق غير محايد ولم يكن حَكَماً. جاءتهُ مبادرةٌ فرنسيةٌ فحرق انفاسَها بمعاونةِ الوكيل الشرعي للقصر جبران باسيل ..
ثم تدخل الفاتيكان فأورد القصر ُ معلوماتٍ غيرِ صحيحةٍ الى ان طيّروا زيارة َ البابا فرنسيس .. وبعد ذلك وصلتِ المبادرةُ الكويتيةُ واعقبتها المصريةُ وتدخلاتٌ على مستوياتٍ دوليةٍ برئاسةِ القَلِق ِالاول على احوال الامم انطونيو غوتيرش الى ان دخل لبنانَ في موسوعة قِمة جُدة كأطولِ سطورٍ عن بلدٍ هالك . لكنّ هذه السطور وقبلَها المبادرات سقطت بضرباتِ التعطيلِ الرئاسية . وعبرَها اختفى رؤساء ُ حكوماتٍ ودُفِعوا الى الهجرة ..
ومَن بقي منهم نجيبا ً تتقطّع فيه السبلُ اليوم ولا يلوي على موعدٍ للقاءٍ في القصر..والدقيقتانِ الموعودتانِ تحولتا الى اسبوعين كاملين . فلا رئيس ُ الجمهورية اتّصلَ ولا الرئيسُ المكلّفُ يعتزم التواصل ما لم يبادر عون الى الدعوة .
وعلى هذه الصورة تبدو البلاد معطلةً بكلِّ ما تملك بلاد تنْسلُّ من خيوطها ..اضرابات ٌفي القطاع العام ..إدارت ٌ مهترئةٌ وطن ٌ بلا هويات ولا اوراق َ رسمية ..جوازات سفر محجوزة رهنُ التمويل ..قضاءٌ يشكو قدرَه ..ومساعدون قضائيون يضربون عن العمل لم يبق في الدولة ما يؤهلها للصمود حتى نهاية العهد ..وعلى الرغم من ذلك فإن العهد هو من يتولى الشكوى وينوح باكيا من المسؤولين لكأنه ليس واحدا منهم.
واليوم رسّم الاميركي المشهد وقرّبه الى المسؤولين : ستفشلون ما لم تبادروا الى الاصلاح وقال رئيس المجموعة والسفير الاميركي السابق ادوارد غبريال للجديد ان على القادة ان يتصرفوا بسرعة وخلال اسابيع ..
وما لم يحدث ذلك فان الولايات ِ المتحدة لديها شؤون أكثر اهمية حول العالم وسيُترك لبنان لمصيره للاسف وعن ملف ترسيم الحدود اوضح غبريال ان هناك مفاوضات ٍ جيدة جدا بين الاطرف للوصول الى حل يرضي الجهتين وفي حال عدم الوصول الى ارضية مشتركة فإن اللبنانيين لن يتمكنوا من الحفر لعقد او عقدين من الزمن واذا فشلت المفاوضات فان لبنان قد لا يتمكن من التنقيب لعشرين سنة ٍ اضافية .