نلتقي فجر الأربعاء .. تصبحون على خبر!

| جورج علم |

وإلى أن نلتقي على خبر جديد فجر الأربعاء من الأسبوع المقبل، ومعرفة من الفائز في الانتخابات الأميركيّة، تبقى الدوّامة مستمرة. إعصار التدمير والتهجير غلاّب. رشاش الدم ينثر رذاذه على ما تبقى من جدران متهالكة، والمطارح تغادر أمكنتها في سفر طويل نحو المجهول. وتبقى ثرثرات منتشرة هنا، وهناك، وهنالك، تلوك كلمات مخبولة: جاء هوكشتاين.. غادر هوكشتاين.. و”بطيخ لبنان عالسكين؟!

ومن الآن وحتى فجر الأربعاء المقبل، لا أحد يعرف كيف سيكون حال لبنان، طالما أن الأميركي يناور، والإسرائيلي يدمّر، والإيراني يقامر، ويغامر!

البوصلة وجهتها الكارثة. والبورصة أرقامها مجنونة تشير إلى المزيد من المجازر، والنكبات، والخسائر بالبشر والحجر. وفي الداخل حسابات خاطئة، ونظرات غارقة في البهتان، مكحّلة بمسحوق القلق، ومواقف معلوكة تنضح بالعفن.

إجتمع الرئيسان الأميركي حو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، نهاية أيلول الماضي، في نيويورك، على هامش الدورة العاديّة للجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وصدر بيان مشترك عرف بإسم “المقترح الفرنسي ـ الأميركي” ويدعو إلى وقف لإطلاق النار في الجنوب، وهدنة لمدّة 21 يوماً يصار خلالها إلى التفاهم على خريطة طريق لوضع القرار 1701 موضع التنفيذ.

أيّدت المقترح دول نافذة بينها: اليابان، كندا، بريطانيا، المانيا، إيطاليا، إسبانيا، المملكة العربيّة السعودية، دولة الإمارات العربيّة المتحدة وقطر.

ورحّب لبنان الرسمي، وشجّع على المباشرة بالتنفيذ. عاش المقترح أسابيع ثلاثة قبل أن يلفظ أنفاسه، بعد أن رفضته تل أبيب، وتنصّلت منه الولايات المتحدة، وطويت صفحته بعد الهجوم الإسرائيلي على أهداف في إيران.

وفي إخدود هذا العصف، ولد “مقترح أميركي” جديد يقول بوقف فوري لإطلاق النار، وهدنة لمدة 60 يوماً يصار خلالها إلى التفاهم حول كيفيّة ترتيب الوضع على ضفتي “الخط الأزرق”!

• لماذا الـ60 يوماً، بدلا من الـ21؟

– لا جواب، لأن الأميركي يناور، لا يريد حلّاً، وإن كان يريد، فليس الأوان أوانه الآن، كون مواصفاته المطلوبة، وفق معاييره، لم تكتمل بعد.
– لا جواب، لأن الإسرائيلي يريد أن يستثمر كلّ ثانية من الوقت المتاح. كلّ هنيهة من الفرصة الممنوحة، ليمعن في التدمير، وتغيير الخرائط.
– لا جواب، لأن الإيراني يغرف من كلّ ما هو متاح له، أو مستباح، ليصمد على ضفاف البحار الدافئة من غزّة، حتى البحر الأحمر، ويواجه “الشيطان الأكبر”، “إسرائيل”، بتلازم الساحات، والشعارات، ولا ضير إن تحوّل لبنان إلى ميدان للنزال طالما أن المستلزمات متوافرة، والإرادات طيّعة. إنه مقاول حذق في صفوف “الشركاء” المنخرطين قي مشروع تغيير الخرائط في الشرق الأوسط.

مؤسف القول إن “المقترح” الأميركي الجديد قد حقّق هدفاً يتيماً، هو إلهاء الرأي العام بالحديث عن بداية النهاية، وصرف أنظاره عن الأهداف الحقيقة، وأولها تحويل لبنان إلى خط تماس بين الأطراف المتصارعة، وساحة لتسديد حسابات الآخرين على أرضه، ومن رصيده.

بعد العدوان الإسرائيلي على إيران، فعّلت المقاومة وطيسها، وأمطرت، وتمطر عمق الكيان الغاصب بزخّات من الصواريخ والمسيّرات. وفعّل العدو آلته بتدمير القرى والبلدات والمدن، وتشريد المواطنين في العراء.

وفي ذروة العصف التدميري، انتخب الشيخ نعيم قاسم أمينا عاما لـ”حزب الله”، وكانت ردود الفعل مختلفة، البعض رأى بالإنتخاب دليلاً على تماسك الحزب، وقدرته على تجاوز التحديات، وملء الفراغات. فيما البعض الآخر رأى فيه رسالة إيرانيّة واضحة برسم من “يهمه الأمر”، عنوانها صريح: المواجهة مستمرة بمقاومة لبنانية، وعلى أرض لبنانيّة، وبأثمان وتداعيات لبنانيّة!

لقد كرّس الأميركي ـ “الإسرائيلي” إيران كطرف أساسي، في أيّ تسوية. وإذا كانت هناك من رغبة في مكان ما لدى واشنطن، في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وتفعيل “المقترح”، ووضعه موضع التنفيذ، فإن ذلك لن يحصل إلاّ إذا حظي بموافقة إيرانيّة. وبقدر ما تثبت طهران تصميماً على الإستمرار في المواجهة، بقدر ما تؤكد للقاصي والداني على أنها عنصر مهمّ، لا بل محوري في إنضاج تغيير الخرائط، طبقاً لمعايير مصالحها.

إلى أي مدى يستطيع الأمين العام الشيخ نعيم قاسم التوفيق بين ما تريده طهران، وما يريده المفاوض اللبناني؟

إنه السؤال ـ المأزق. وملامح الجواب تطلّ تباعاً مع إنبلاج فجر الأربعاء من الأسبوع المقبل… إلى اللقاء!