“المسيّرات” تخترق أجواء “الوزاري العربي”.. وتقيّد “كاريش”!

/ جورج علم /

تكّومت الأحداث المتسارعة يومي الأول، والثاني من تموز الجاري في سلّة واحدة:

الجمعة، الأول من تموز:

  • السفيرة الأميركيّة توزّع إبتساماتها على المسؤولين، وتطلعهم على الجواب الإسرائيلي على العرض اللبناني حول ترسيم الحدود البحريّة.
  • وزراء الخارجيّة العرب يتهافتون الى بيروت، وسط حفاوة رسميّة وإعلاميّة.

السبت، الثاني من تموز:

  • يستيقظ الوزراء العرب، على وقع عدوان إسرائيلي، إستهدف مخازن أسلحة في سوريا، قيل بأنها تعود الى إيران، و”حزب الله”.
  • … وقبل أن ينهي الإجتماع الوزاري العربي مشاوراته، كان الحدث حول وصول وزير خارجيّة إيران الى دمشق، وإطلاق “حزب الله” ثلاث مسيّرات بإتجاه حقل “كاريش”.

وصف البعض “مسيّرات الحزب”، بـ”العمل الإستفزازي”، لتذكير الوزراء العرب بالدور والحضور على الساحة اللبنانية، والتأكيد على أنه صاحب التقرير والتدبير. فيما رأى البعض الآخر بأن “المسيّرات” حملت رسائل ثلاث:

الأولى، الرد المباشر على العدوان الإسرائيلي على مخابئ الأسلحة في سوريا.

الثانيّة، رسالة قويّة برسم وزراء الخارجيّة العرب، عنوانها: “نحن هنا”!

الثالثة، محاولة ربط مصير الغاز في حقلي قانا، و”كاريش”، بمصير الغاز الإيراني، وعلى قاعدة: “لا غاز من إيران، يعني لا غاز من الجنوب، وما لم يتحرّر الغاز الإيراني من العقوبات الأميركيّة، فلا غاز من المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل”.

وبمعزل عن التحليل، والتعليل، نكتفي بسرد الوقائع كما هي، تاركين للمتابع حريّة الإستنتاج.

إستضافت العاصمة القطريّة، الدوحة، يومي 29 و30 يونيو / حزيران، جولة من المفاوضات الأميركيّة ـ الإيرانيّة غير المباشرة، برعاية الوسيط الأوروبي، في محاولة لبناء جدار الثقة، والتفاهم حول النقاط العالقة، والعودة سريعا الى مفاوضات فيينا للتوقيع على الإتفاق النووي الجديد، إلاّ أن النتائج لم تأت على قدر التمنيات، وانتهت الجولة دون إحراز اي تقدم.

ما جرى في الدوحة يلخّص بالآتي:

  • يريد الإيراني رفع العقوبات، وتحرير تصدير النفط والغاز من أي قيود، والإستفادة من الأسعار المرتفعة عالميّاً، ورفع القيود التي تكبّل القطاع المصرفي الإيراني، والإفراج عن الأموال المجمّدة، لكي تتأمن البحبوحة المالية التي تحتاجها طهران في هذه المرحلة الحساسة، لمعالجة الأوضاع المعيشيّة، الإجتماعيّة، الخدماتيّة المتفاقمة في طول البلاد، وعرضها.
  • ويريد الأميركي قطع الطريق أمام التحالف الصيني ـ الإيراني، والتحكم بالصادرات الإيرانيّة بما يخدم أهداف واشنطن في معركتها المفتوحة مع موسكو حول “جدار” اوكرانيا، والتعويض عن الغاز الروسي باللجوء الى الغاز الإيراني ـ الخليجي، بالإضافة الى منع طهران من إمتلاك قنبلة نووية!
  • ويريد الأوروبي، الذي سعى الى ترتيب “حوار الدوحة”، الحصول على مخزون الغاز الإيراني، كبديل عن الغاز الروسي، قبل حلول فصل البرد، والزمهرير، وإبرام إتفاقيات طويلة الآجال، لضمان حركة المصانع، والشركات، والمؤسسات المستهلكة للطاقة.
  • ويريد الإسرائيلي توفير كامل مستلزمات النجاح لمشروع “ميد ـ إيست” الذي يربط تل أبيب بإيطاليا، ويؤمن 15 مليار متر مكعّب سنويّاً من “غاز شرق المتوسط” الى أوروبا، كبديل عن الغاز الروسي، لذلك تحاول إسرائيل بشتى الطرق والوسائل تقييد الغاز الإيراني، حتى لا يكون منافساً لمشروعها، هذا فضلاً عن شروطها المعروفة تجاه أي إتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني.

يضاف الى ذلك، ان “مفاوضات الدوحة”، ربما إنطلقت في التوقيت الخطأ، بحيث تزامنت مع قرب وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى المملكة العربيّة السعوديّة، بحثاً عن إتفاقيات جديدة للإستفادة من الإمكانات الهائلة في حقلي الغاز والطاقة. وقد شعر بعض المقرّبين من دوائر القرار في كلّ من واشنطن والرياض بأن ما يجري في الدوحة، ربما كان الغرض منه التأثير سلباً على جولة الرئيس الأميركي، لذلك كان من الضروري أن تنتهي الى ما إنتهت اليه، لتوفير مناخ تفاوضيّ مؤاتي، ومتحرّر من أي قيود، وإلتزامات مسبقة.

ومع إنتهاء “جولة الدوحة” وصل الى بيروت نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجيّة القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حاملاً في يده اليمنى شيكاً بقيمة 60 مليون دولار دعما للجيش اللبناني، وفي يده اليسرى ملفاً حول النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل.

إستبق الوزير القطري نظراءه العرب، في الوصول، وكانت له محادثات مكثّفة مع كبار المسؤولين، تناولت مختلف الملفات الملحّة، بما فيها ملف الترسيم، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الدوحة تعير هذا الملف اهتماماً خاصاً في حركتها الدبلوماسيّة المحوريّة، نظراً لعلاقاتها الجيدة مع كلّ من الأميركييّن، والإيرانييّن، والإسرائيلييّن.

وتزامناً مع محادثات الوزير الشيخ محمد بن عبد الرحمن في بيروت، بدأت عملية تبادل الرسائل المشفّرة ما بين الإسرائيلييّن، والإيرانييّن في سوريا، ثم دخول “حزب الله”، فوراً، ومباشرة، بمسيّراته الثلاث على خط “كاريش”، ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يائير ليبد بالتهديد والوعيد، الأمر الذي دفع بمحلّلين أميركييّن الى التساؤل: هل ما يجري على صلة بـ”الأجواء التحضيريّة” لجولة بايدن في المنطقة؟ وهل تكفي إبتسامات السفيرة دوروثي شيا، وهي تجول على المسؤولين، لطمأنتهم بأن ملف ترسيم الحدود لم يخرج من تحت السيطرة؟ أم أن مسيّرات الحزب قد بدأت ترسم معادلة: “لا غاز من كاريش، قبل الغاز الإيراني”؟