استمعوا للنساء!

محمّد حسين عيسى

في ظلام اللَيل وفي بلاد الاغتراب، حيث تغتربُ الأجساد وتبقى الرّوح في ربوع الوطن والأحبّة. خرجَت سهى من منزلِ زوجها هاربة من تعنيف قديم مستجدّ، كان يمارسه عليها باستمرار، فضَّلت الخروج نحو الكلاب الشّاردة والذّئاب المنتشرة في غابات جنوب أفريقيا، على أن تبقى بجوار ذئب على هيئة بشر، لكنّه سريعاً ما لحق بها وأعادها إلى داخل سجنه الوحشيّ.

بعد أن حصل الطّلاق ونالت حرّيّتها من زواج أخذَ ما أخذَ من عمرِها وصحّتِها، تروي سهى أخبار وأنواع التّعنيف، وبدوري قد قسّمته لعدّة أقسام منها:

العنف اللّفظي

تقول سهى أنّه كان يتعرّض لها بكلمات نابية باستمرار، توبيخ مستمرّ على كل صغيرة وكبيرة. يشتم أهلها دون أي موجب حق، فقط لأنه “رجال البيت” كما يقول ويحق له ما لا يحق لغيره.
لم يعِ يوماً أنه عليه أن ينتبه لكلماته، فليس للسان عضلات ولكنّه قوي بما يكفي ليكسر قلبًا.

العنف الجسدي

ما زالت آثار الحريق على جسدها، لقد تعرّضت لنار جمر نرجيلته أكثر من مرّة وَلأسباب تافهة. تعدّدَت المرات ولكن تخدّر الجسم، ولم يعد يهتم لأوجاع احتراقه.. فالروحُ قد احترقت!
ذكرت أيضاً أنه ذات مرة كانت تغسل الأواني وتأخرت قليلاً بتحضير النرجيلة، فأشعل الجمر بنفسه، وكان للمسكينة نصيب من نيران جمراتِها.
عدا عن الضّرب المبرح والإهانات اللّفظيّة التي صُعِقت فيها، حيث سبّبت نوبات الهلع بإصابتها بمرض التّبوّل اللّاراديّ من رهاب الخوف.

العنف النفسيّ!

التّهديد المستمر بأنّه سوف يرمي بها إلى الطّريقِ حتى تأكلها الضباع.
كان هذا أحد أنواع الهلع المميت، ولكنّه تحوّل فيما بعد إلى أحد أنواع الخلاص، وهذا ما فضّلته أخيراً عندما حاولت الهرب من ذئب بشريّ لأحضان ذئب حيوانيّ.

العنف الاجتماعيّ!

حيث منعها عن ارتياد مواقع التّواصل الاجتماعيّ، والالتقاء بأهلها حتى صديقاتها، لأسبابٍ لا يعلمها غيره. ولكن، في نظرها، السبب الرّئيسيّ خوفه من أن تشكو غربتها ووحشتها ووحشيّته، وتطلب المساعدة للتّخلّصِ منه، أو تتعلّمَ من برامج اليوتيوب وغيرِها كيفيّةَ التّمردَ فتنتصر عليه.

العنف الجنسي

كان يجبرها على ممارسة الجنس بعد جولات مكثّفة من العنفِ اللّفظيّ والجسديّ، وفي ظل غياب أيّ كلمة لطيفة أو مداعبة ظريفة، وإن حاولَت التّمنّعَ ازدادت وحشيّته حدّ الاغتصاب.

تلك هي بعضُ أنواع العنف التي من الممكن أن تتعرض لها المرأةُ، ولا ننسى العنف المالي، حيث يتقصد الزوجُ السطوَ على مالِ زوجتِه إن كان راتباً وظيفياً أو ورثةً من الأهل. بالإضافة إلى “العنفِ العاطفي”، حيث يتباهى بعلاقاته أمامها دون أي رادع فقط كونه “رجل”.

وفي سؤالي لها لِمَ قد وافقت منذ البدايةِ، على الزّواج من رجل يحمل كل تلك الوحشيّة والحقد والقسوة؟

أجابتني: “لم يكن هكذا في فترة الخطوبة والتعارف، فقد قدّم نفسه لي بأبهى صور اللّطف والحنان والإنسانيّة، وكانت الصّاعقة بعدما تزوّجنا وسافرنا، حيث بدأت تظهر سطوته وأمراضه النفسية على هيئة ندبات، مازالت آثارها ترسو على جسدها وسواد حالك يغزو ظلال عينيها”.

وعن طلاقها، قالت أنها “عانت كثيرًا قُبيلَ معرفة أهلها بمعاناتها بعد ثلاثة أشهر فقط من الزّواج”، ومن ثم بدأت الاتصالات على صعيد العائلتين، مع دعوة قُدّمَت عن طريق محامٍ وتقرير للطّبيب الشّرعي، الّذي أثبت العنف المستمر، وهكذا نالت مرادها من خلال أبغضِ الحلال، الطّلاق.

سهى ليست إلّا واحدة من 35% من نسوة الكرة الأرضيّة، اللّواتي يتعرّضْن للعنف على أنواعه من آبائهنّ وإخوانهنّ وأزواجهنّ. حيث أنّ 30% من التعنيف من الأزواج و5% من الأهل وهذه أرقام إحصاءات الأمم المتّحدة لحقوق المرأة.

لا أريد البحث في بقاع الأرض، سوف أكتفي بحديثي عن مجتمعاتنا العربيّة، حيث لا تحتاجُ المرأةُ إلى جمعيّات حقوق المرأة وجمعيّات نسويّة تتاجرُ بقضايا الأبرياء لتجني أرباحاً طائلة دون احقاق الحقّ، وترسم لنفسها صورة بكادر حضاري معلّب الأفكار والتّوجّه.
الأديانُ وعكس ما يشاعُ عنها، بأجمعها تحترمُ المرأةَ الإنسان.

وما نحتاجه اليوم هو “ثقافة العلاقات”، أن يخبرَ الرّجل المرأة عن أهمية المال والمنصب عندَه، وما يمتلك وما شابه لا يكفيها أبدًا! فهي تحتاج حضور الرجل الإنسان، وأن يتفهم تقلّابتها النفسية المحكومة بعوامل بيولوجية، فهي ليست “نكدة” كما يشاع عنها، بل هي المرأة، زهرةُ اللّافندر تتأثرُ برياحِ المزاجيّة، تحتاجُ ماء الحبِّ من سندِها باستمرار، وغالباً هي لا تحتاج لحلولٍ لمشاكلِها، بقدرِ ما تحتاج إلى من يسمعها بهدوءٍ وبعينِ القلب.

إنَّ الزّوجةَ أمانة، وعَلى الزوج أن ينظرَ إليها على أنها أمانةُ الله تعالى عندَه، والأمانةُ مسؤوليّة كبيرة وعليه أن يراعي هذه الأمانة فهي شريكة حياته لا أسيرته الرهينة بين يديه.
أعزّائي الرّجال استمعوا لنسائِكم!