عون ميقاتي

طريق السراي تمرّ من تقاطعات بعبدا: تكليف بلا تأليف؟

/ خلود شحادة /

بعد انتهاء استحقاق الانتخابات النيابية، شمّرت القوى السياسية عن ساعديها، معلنة استعدادها لخوض معترك “تشكيل الحكومة” العتيدة، وهي، في حال تشكيلها، الأولى في عهد البرلمان الجديد، والأخيرة ـ كما يفترض ـ في عهد الرئيس ميشال عون.
ما يعطي لهذه المرحلة نوعاً من الخصوصية، هي النتيجة التي أفرزتها صناديق الاقتراع، والتي كشفت عدم حصول أي فريق على الأكثرية المطلقة داخل المجلس الجديد، أو بدقّة “الأكثرية المريحة”.
القوى الدولية، التي وضعت كل ثقلها المادي والمعنوي، لتحقيق التغيير داخل البرلمان، عبر “تشليح” الأكثرية للفريق الداعم للمقاومة، وتسليمها الى الفريق الآخر، استفاقت على “خبر مفجع”، لا أكثرية رغم كل المحاولات.
“النتيجة المخيبة للآمال”، دفعت بهذه القوى الى الرجوع عن شعار “الانتخابات مفتاح الحل”، وهي ذاتها التي كانت تنادي بانتخابات نيابية مبكرة لوقف الانهيار. وعادت الى النغمة القديمة – الجديدة، والتي تقول إن الانهيار سببه سوء الادارة والفساد، وذلك بحسب ما جاء في بيان صندوق النقد، والذي يعكس الرأي الدولي، وبيان مجلس التعاون الخليجي، والذي يدل على الموقف العربي. بالتزامن مع المعلومات التي تحدثت عن استدعاء السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى بلاده “للتشاور”.
هذه التغييرات التي طرأت على الموقف الدولي والعربي، تطرح تساؤلات حول مصير الحكومة المرتقبة، خصوصاً في ظل الاستحقاقات الطارئة التي ينتظرها لبنان.
فإذا أراد لبنان اليوم، الاستناد على الدعم الفرنسي، كما فعل بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي دخلت اليوم مرحلة تصريف الأعمال، فستكون النتيجة مماثلة تماماً للواقع الذي عاشته حكومته، عندما فشلت في الإنقاذ الذي حملت شعاره منذ يومها الأول.
وعلى الرغم من حصول ميقاتي على “وعود باريسية”، بتحقيق الدعم اللازم للإصلاح، والمضي على سكة التعافي المالي، إلا أن حكومته غرقت بالفشل الذريع، بعد تركه وحيداً يتخبط بالواقع الصعب الذي فرض عليه مقابل توليه الرئاسة، وذلك بعد أن نكثت فرنسا بوعودها.
تبيّن أن “اللاعب الفرنسي”، أضعف من أن يحدث تغييراً في الملعب اللبناني، وأن “ريمونتادا” الحل محصورة بيد الأميركي حصراً، أو بيد من يحظى بالتأييد الأميركي، على أقل تقدير.
يُطرح اليوم، اسم ميقاتي من جديد، لقيادة المركب الحكومي نحو “بر الإصلاح”. فهل تأمّنت لميقاتي، مظلة دعم مختلفة عن المظلّة الفرنسية التي أغرقته بالوعود، وتركته ينفّذ “عملية انتحارية” قضت برفع الدعم الشامل الكامل والذي دفعت البلد نحو المتر الأخير قبل الارتطام الكبير، لأنه كان ينتظر الدعم الموعود من فرنسا التي كانت وعدته بتأمين الدعم الأميركي والسعودي والخليجي، وإذ به يُترك وحيداً في صحراء أزمة لبنان القاحلة.
افتعل ميقاتي اشتباكاً مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، خلال وبعد الانتخابات، عندما ظنّ أن ميزان الأكثرية “طابش” لصالح تحالف “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”التغييريين”، وهو الذي مرّر من تحت الطاولة تأمين ظروف فوز مرشّح “القوات” في طرابلس النائب إيلي خوري.
إلا أنه سارع بعد جلسة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي والياس بو صعب نائباً له، لمحاولة إصلاح العلاقة مع بعبدا، وكذلك مع وزير الطاقة وليد فياض نفسه، ومن خلفه باسيل، لإدراك ميقاتي أن حساباته للأكثرية غير صحيحة، وأن رئيس “القوات” سمير جعجع لن يرشّحه لرئاسة الحكومة، فبات مضطراً لاستدارة جديدة تصلح العلاقة مع عون لتسميته في الاستشارات الملزمة، فضلاً عن الثقة التي تراجعت نسبتها بشكل حاد لدى “الثنائي الشيعي”.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل التكليف اليوم سيرتبط بشكل مباشر بالتوازنات السياسية التي أنتجتها الانتخابات داخل المجلس النيابي؟ وهل تسمح هذه التوازنات بتكليف ميقاتي؟
مبدئياً، لا أحد من الأسماء الوازنة مستعد لـ”مهمة انتحارية”. لذلك، قد تكون إعادة تسمية ميقاتي مخرجاً لجميع الأطراف، بهدف شراء الوقت الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد.
لكن ذلك لا يعني أن تشكيل الحكومة سيكون سهلاً، فكل المؤشرات ترجح الفصل بين التكليف والتأليف، لأن مسار التأليف أمامه مطبات وعوائق وحفر وخنادق سيجعل من هذه المهمة بعيدة المنال. مع الأخذ بعين الاعتبار ما ظهر من مواقف أولية متناقضة تفرض نفسها على استشارات التكليف، وما ظهر من مواقف حادة بشأن شكل الحكومة المقبلة بما يجعل مسار التأليف “جلجلة” قد لا تنتهي قبل انتهاء ولاية الرئيس عون.
ربما هنا “بيت القصيد”، وربما المطلوب هو تقطيع الوقت الفاصل عن انتخابات الرئاسة، لأن هناك من يريد إنهاء العهد بضربة قاضية، وهناك من ينتظر تبلور تسويات الخارج وانعكاساتها على التوازنات الداخلية وعلى مسار كامل في لبنان: رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وحكومة…
هل يكلَّف ميقاتي، أو غيره، ولا يؤلِّف؟
فوق بعبدا ضباب كثيف، يحجب الرؤية. الجالسون فيها لا يرون ما يدور خارجها، والناظرون إليها لا يرون ما يدور فيها وحولها وفي الطريق منها وإليها… والطريق إلى السراي لا بد أن يمرّ عبر بعبدا، بكل ما تعبّر عنه من توازنات وتشابكات وتقاطعات…