/ مرسال الترس /
يوحي سلوك بعض الموارنة في لبنان أنه لم يتّعظوا قيد أنملة من الأحداث الدامية، والحروب التي مرّت على وطنهم الصغير، وكانت طائفتهم من أكثر الطوائف التي دفعت أثماناً باهظة في تلك المحطات المفصلية، وهم ما زالوا يراهنون على الغرب لكي ينقذهم مما يصورونه على أنه “ورطة”.
فرنسا، التي رسخوا في أذهانهم يوماً أنها “أمهم الحنون”، بعدما أعطتهم الاستقلال على مضض في العام 1943، تنازلت عن دورها في هذه الأرض في العام 1958 للولايات المتحدة الأميركية، ومن ثم أدارت له ظهرها في خضم حرب السنتين التي اندلعت في نيسان عام 1975.
أما واشنطن، المعروفة بسيدة البيع والشراء في المصالح الدولية، والممسوكة بقوة مال وإعلام اللوبي اليهودي، فكل استراتيجياتها الشرق أوسطية تقوم على خدمة هذا الكيان الذي أعطاه البريطانيون صك براءة عبر وعد بلفور في العام 1917. وكانت مرتاحة جداً لتقارب المسيحيين، والموارنة تحديداً، مع الكيان العبري، في العام 1982، على خلفية الصراع مع الفلسطينيين الذين فرضت عليهم اسرائيل اللجوء الى لبنان وباقي الدول العربية، في العام 1948، مع ترسيخ وجود دولة إسرائيل، بغض النظر عن النتيجة التي آلت لوصول قائد “القوات اللبنانية” آنذاك بشير الجميّل إلى سدة الرئاسة، وقضية اغتياله الملتبسة إثر خلافه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن في اجتماع صاخب في مستوطنة نتانيا.
تحولت واشنطن إلى منشرحة في العام 1983، عندما ذهب الحكم اللبناني، بتوجيه رئيس الجمهورية، الكتائبي والشقيق الأكبر لبشير، أمين الجميّل، إلى اتفاق 17 أيار الذي لم يعمر طويلاً، وما واكبه من تفجير مقري المارينز والقوات الفرنسية في بيروت، وحيث كان الرئيس الراحل سليمان فرنجيه يكرّر القول: “لبنان يجب ان يكون الدولة الأخيرة بين الدول العربية التي يجب ان تقيم السلام مع اسرائيل”.
ولأن الموارنة باتوا خارج الاهتمامات الدولية والإقليمية، فقد ذهبوا الى التطاحن في ما بينهم حتى العظم، ولاسيما بين اكثر قياديين عسكريين: أحدهما “شرعي” وهو قائد الجيش حينها العماد ميشال عون، والثاني ميليشياوي هو قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع، والذي انتهى بانكفاء الشريحة الأكبر من الطائفة عن الدولة، بعد وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ في العام 1992.
بعدما نجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تقزيم أدوار العديد من القيادات اللبنانية من مختلف الطوائف، ظن القسم الأكبر من الموارنة أن الحقوق ستعود مع وصول العماد عون الى قصر بعبدا في العام 2016، ولكن حسابات البيدر لم تطابق حسابات الحقل، ووصلوا، باعتراف الرئيس نفسه، الى جهنم، باستراتيجية أميركية واضحة المعالم. فها هو المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يسخر من الذين انضووا تحت مظلة “المجتمع المدني”، وبينهم الكثير من الموارنة، نكاية بما آل اليه العهد حيث قال: “هناك حوالي 100 حزب يترشّح في الانتخابات، وأظن بأنهم سيأكلون بعضهم بعضاً ولن يربحوا ما يكفي من المقاعد لإحداث تحوّل في التوازن”. من دون أن يوضح السيد شينكر أي “توازن” يسعى إليه. الاّ إذا كان ذاك التوازن يعني التأقلم مع مسيرة التطبيع.
بعض رؤساء الأحزاب المارونية عبروا عن فرحتهم بانهم حققوا تقدماً ملموساً في اعداد مقترعي المغتربات، ولكنهم تجاهلوا أو غضّوا الطرف عن أن هؤلاء قد تم تدوينهم على انهم هاجروا من لبنان في السنوات الماضية، وهذا يذكر بما طرحه المبعوث الأميركي دين براون على الرئيس فرنجية في العام 1976، عن ان بلاده مستعدة لمساعدة “الموارنة” والمسيحيين عامة في الانتقال الى كندا أو أية دولة ملائمة.