حسن نصر الله

قراءة في خطاب نصر الله الاقتصادي: استفتاء على “الهوية”؟

/ علاء حسن /

قبل أيام من موعد الانتخابات النيابية العامة في 15 أيار، تحدث الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في مهرجانين انتخابيين، أحدهما في الجنوب شمل منطقتي صور والنبطية، والثاني في الضاحية الجنوبية لأهالي بيروت وجبل لبنان، تناول فيهما ملامح البرنامج الانتخابي للحزب وحلفائه، والخطة التي سيسير عليها هذا التحالف بعد فوزه في الانتخابات النيابية التي تفصلنا عنها أيام معدودة.

السيد نصر الله كان شفافاً مع جمهوره، فلم يرسم لهم أحلاماً وردية، ولا مدّ لهم السجاد الأحمر، بل تحدث بكل واقعية عما وصل إليه الوضع الاقتصادي في لبنان، وقدم رؤيته للخروج من هذه الأزمة التي قد تتطلب عدة سنوات.

وفي هذا السياق، حدد الأمين العام لـ”حزب الله” ثلاثة محاور رئيسية للخطة الاقتصادية المقبلة، من أجل النهوض بلبنان بمواصفات الدولة العادلة المقتدرة، وفق ما جاء في الوثيقة السياسية الثانية للحزب التي أصدرها عام 2009.

ـ المحور الأول تَمثّل في توجيه البوصلة نحو الثروة النفطية اللبنانية، والتي ستنتشل لبنان من أزمته الاقتصادية فيما لو تم التنقيب عن النفط والغاز. وقد وجه رسائل هامة للأميركيين أن هذا النفط سيبقى مدفوناً تحت البحار، ولن يستطيع الكيان الصهيوني استثماره إذا مُنع لبنان من ذلك. وقد تناغم مع هذا الخطاب، موقف الرئيس نبيه بري الذي وجه رسائله للمسؤولين اللبنانيين عبر مهلة الشهر التي أعلنها في خطابه يوم الثلاثاء.

ـ المحور الثاني تمثّل في دعوة السيد نصر الله للتوجه شرقاً من دون انتفاء امكانية الاستفادة من الغرب، لكن حديثه جاء في معرض التأكيد على ضرورة الخروج من الإملاءات الأميركية وفتح المجال، ولو تدريجياً، أمام فرص أخرى موجودة أمام لبنان، وما عليه سوى شجاعة استثمارها.

ـ المحور الثالث تمثّل برفض الـ”كابيتال كونترول”، والإصلاحات التي يفرضها “صندوق النقد الدولي” من أجل الموافقة على مساعدة لبنان عبر منحه قروضاً لإنعاش وضعه الاقتصادي. هذا يعني أن هذا الخيار لن يكون متوفراً فيما لو حقق الحزب أكثرية نيابية في الانتخابات (ليس بالضرورة أكثرية الثلثين)، ولن يرضى بتحميل لبنان ديوناً إضافية لن تخرجه من قاع الأزمة، إنما ستكبله أكثر فأكثر.

في الخلاصة يَصدق على هذه الانتخابات صفة الاستفتاء على هوية لبنان، وقد أعلنها الأمين العام لـ”حزب الله” صراحة في اللقاءين الانتخابيين. هو يريد دولة عادلة، مما يعني أن الرأسمالية والوكالات الحصرية لن تكون في متداول المرحلة المقبلة. ويريد دولة مقتدرة، أي أنه سيُبقي على سلاح المقاومة، طالما أن الطرف الأميركي لن يرضى بتسليح الجيش وإخراجه من الحسابات الداخلية الضيقة، والسماح له بحماية البلد في وجه العدوان الصهيوني. وأن لبنان لم يعد مصيفاً للخليجيين، ولا خزنة سرية لأصحاب الأموال المشبوهة، ولم يعد من المقبول اعتباره قطعة من الغرب موجودة في الشرق.

على أن كل ما سبق يدل على أن قراءة السيد نصر الله تفيد أن التوازنات المبنية على عالم متعدد الأقطاب أصبحت أقرب نحو الظهور الفعلي، ولن تستطيع أميركا الاستفراد بالمنطقة من دون دفع الثمن لدول وجهات أخرى ستشاركها في الكعكة التي تهيمن عليها.

يبقى السؤال، في ظل الانقسام الطائفي العامودي والأفقي في لبنان، هل سيكون هناك شخصيات سنية ومسيحية تلاقي هذا التوجه في منتصف الطريق ليبصر النور؟ الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال.