“صفقة القرن” الثانية… الرياض في الواجهة!

| دايانا شويخ |

تعود “صفقة القرن” إلى الواجهة، ولكن بشكل ومضمون جديدين يتناسبان مع متغيرات المنطقة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بصفته مطور عقاري إعتاد على البيع والشراء، يرى في مشروعه الجديد بالإستيلاء على غزة وإستثمارها كقطعة أرض عقارية وتهجير مليوني مواطن خارج أراضيها إلى مصر والأردن، صفقة مربحة، متغاضياً عن أن الترحيل القسري أمر مفلس أخلاقياً ودولياً، بل أنه محض جنون.

لكن الملفت في الأمر ليست فجاجة أفكار ترامب، بل ردة الفعل العربية تجاه هذا المشروع، ولغة الرفض والإستهجان من الرؤساء العرب، وخاصة مصر والسعودية التي شددت على موقفها وسياساتها الثابتة من القضية الفلسطينية ورفضها لأية حلول لا تضمن حقوق الفلسطينيين. فالمشروع لن يقتصر على ترحيل مليوني فلسطيني إلى مصر والأردن، بل يعيدنا إلى الحقبة الاستعمارية التي عانت منها المنطقة، و”إتفاقية سايكس بيكو” في سنة 1916 كانت أولى مراحل التغيير الديمغرافي، فضلاً عن تهديد الأمن القومي وإنتشار الفوضى، والمشاركة بجريمة التطهير العرقي لقطاع غزة.

كيف سيواجه العرب اللعبة الأميركية؟

السؤال هنا، ما هي الخطة البديلة التي ستقف في وجه هذا المشروع؟ هل سيستطيع القادة العرب إقناع ترامب بالتراجع وكبح جماح رغبته بالتهجير؟

بعد التصريحات المتتالية التي صدرت عن رؤساء ووزراء عرب، وبعد زيارة ملك الأردن عبد الله الثاني والتي خابت التوقعات بشأنها، قدمت مصر صيغة تحول دون التهجير، وهي قائمة على حل تكتيكي يكمن بإعمار غزة مع بقاء أهلها. لكن رغبة ترامب ليست بتهجير الفلسطينيين وعودتهم بعد الإعمار فحسب، بل المضي في سياسة التهجير القسري من دون التفكير بالعودة، والفلسطينيون على علم بذلك كونهم مروا بتجارب مماثلة في العقود التي مضت.

لم يكف ترامب، بعد تسلمه الحكم من الرئيس السابق جو بايدن، تقديم الدعم المطلق لكيان الاحتلال الإسرائيلي. لكن الرئيس الأميركي الجديد يعلم في هذه المرحلة أن الحرب على غزة، التي فشلت أهدافها بإستئصال الحركات المقاومة وبتحرير غزة من قيادة حركة “حماس” وتهجير أهلها، لا يمكن من خلالها الاستيلاء على غزة وتوسيع الاستيطان فيها والحفاظ على أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي إلا من خلال الخيار السياسي، بعيداً عن الخيار العسكري الذي لم يجدِ نفعاً طوال الخمسة عشر شهراً التي مضت.

ولذلك اتجه ترامب نحو خيار آخر بفرض خطة التهجير التي اعترضت عليها حتى الدول الاوروبية المؤيدة لكيان الاحتلال الإسرائيلي بإعتبارها خرق للقوانين الدولية والأخلاقية. وأولى هذه التصريحات المناهضة كانت من وزارة الخارجية الالمانية التي أبدت رفضها محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني، كما وصف المتحدث بإسم الحكومة الفرنسية أن هذه الخطوة تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط. وهنا، يمكن للعرب الإستفادة من هذا المزاج الدولي المستاء من قرارات ترامب وطعنه بالحلفاء الأوروبيين، عبر تشكيل موقف عربي عالمي موحد للدفاع عن القيم الدولية وإسقاط المشروع، بدلاً من الوقوف في المنطقة الرمادية للتفكير بمقترح بديل.

هناك فرضيات عربية عدة لمواجهة خطة ترامب، أبرزها الذهاب بإتجاه إقناع السلطة الفلسطينية بضرورة تنحي حركة “حماس” وتولي السلطة إدارة وحكم غزة، وهذا الطرح أكد عليه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بإعتباره الخيار الأمثل إذا إقتضت المصلحة الفلسطينية ذلك. إلا أن هذا الخيار يحول دون التمسك بحل الدولتين، ويبقي الصراع مفتوحاً، ويدفع بولادة حركات مقاومة أخرى، خاصة أن الرغبة الاسرائيلية في التوسع والاستيطان لن تتوقف، وهذا ما تعيشه الضفة الغربية اليوم مع بدء العملية العسكرية “الجدار الحديدي” تحت ذريعة استهداف المسلحين، بينما يتم استهداف المخيمات الفلسطينية لتهجير سكانها.

لذا، فإن الأفق السياسي لحل الدولتين لا يبدو مطروحاً على طاولة حكومة نتنياهو، إلا إذا أراد الرؤساء العرب التمسك بهذا المبدأ وفرضه على الإدارة الأميركية كشرط لخروج حركة “حماس” من المشهد واستلام السلطة الفلسطينية إدارة القطاع.

تستضيف السعودية قمة عربية مصغرة يوم الجمعة المقبل، وعليه يمكن أن نرى المسار الذي ستتجه فيه الأحداث، وإن كان العرب سيتجرأون ويعلنون عن موقف موحد وحازم يقف في وجه اللعبة الأميركية من دون تهجير الفلسطينيين وضمان حقوقهم. فهل ستتمسك المملكة العربية السعودية بخيار حل الدولتين؟ وما الذي سيعرضه الملك السعودي على ترامب لإنهاء مطامعه؟