| حسن شرف الدين |
ظاهرة التنجيم في لبنان ليست مجرد تسلية، بل أصبحت موضوعاً يعكس انحداراً ثقافياً يعيشه المجتمع اللبناني، فقد بات المواطن اللبناني، والشعب العربي، ينتظر ليلة رأس السنة بفارغ الصبر، ليس للاحتفال، بل للاستماع إلى توقعات المنجمين حول ما سيحدث في العام الجديد، وللأسف، تطورت هذه الظاهرة إلى حدٍّ أصبح فيه البعض يعتقد أن هؤلاء “الدجالين” مسددون، وإن أحسنوا الظن اعتبروهم “مخابرات عالمية”!
مع كل بداية عام جديد، تشخص الأنظار إلى منجمين مثل ليلى عبد اللطيف، مايك فغالي، وميشال حايك، الذين يحظون بشعبية واسعة في لبنان، وكان المنجمون الثلاثة، توقعوا قبل عام أن السيد حسن نصرالله سيكون حديث الناس من مكان إختفائه حتى مكان ظهوره وأنه سيظهر بين الناس، وقبل مدة من العدوان، توقعوا أن شخصاً ما سيعرف بأنه ميت، حتى نتفاجأ بأنه، حي، ومنذ إعلان إستشهاد السيد نصرالله، والأمة العربية لم تصدق، ليس فقط حباً فيه، بل تصديقاً لكلام المنجمين بأنه هو الشخص الذي سيظهر حياً.
المشكلة الأكبر ، أنهم باتوا محل صدق لدى الجمهور، الذي يتأثر عاطفياً بكل توقعاتهم، على الرغم من أنهم يلقون عشرات، بل مئات التوقعات خلال حلقاتهم، ولا يتحقق منها إلا القليل،. ورغم ذلك، تسارع وسائل الإعلام إلى تضخيم هذه “الإنجازات” المزعومة، عبر نشر مقطع التوقع الذي “نقش” معهم لرفع مشاهدتها، وبالتالي ايهام الناس بالحقيقة!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، توقعت ليلى عبد اللطيف أن كاميلا هاريس ستصبح رئيسة الولايات المتحدة في انتخابات 2024، وهذا ما لم يحدث طبعاً، والمضحك أن كل شخص فيهم، يرمي توقع مختلف عن نفس الموضوع، وعلى الجمهور أن يصدق التوقع الذي تميل نفسه له أكثر.
مثال أخر، العدوان الصهيوني على لبنان، منهم من توقع أن الحرب ستنتهي قبل نهاية العام، ومنهم من توقع بأنها ستنتهي قبل شهر رمضان المقبل، ومنهم من توقع أن لا تنتهي بظل وجود بنيامين نتنياهو في الحكم، “وعلى ذوقك ختار يا طيب”.
وأصاب ميشال حايك، بتوقعاته، حول الغارات الصهيونية في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهداف القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر، وإغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية.
وتوقعت عبد اللطيف، سقوط طائرة خاصة، ووفاة كل من عليها، ليلجأ الناس إلى ربط التوقع بحادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، رغم أن حوادث الطائرات عامة، وتحدث منذ أن وجد السفر الجوي.
لكنها لم تنجح بتوقعاتها عن سوريا، وعن إستقرار وهدوء سوريا وبقاء نظام الأسد.
اللبنانيون أصبحوا يواجهون أعباء الحياة وكأنهم عالقون في دوامة تجارب تختبرهم بشتى أنواع المصائب التي تتلاحق من دون انقطاع، فما الذي يدفع الإعلام إلى تسليط الضوء على المنجمين بهذا الشكل؟ أي صورة نرسم الشعب أمام العالم؟ ألا يوجد عقول مفكرة، ومحللون متميزون، وناجحون، أحق بأن يتصدروا المشهد الإعلامي بدلاً من منح التنجيم هذه المساحة المبالغ فيها؟