| ميرنا عمار |
التطور السريع والهائل الذي يشهده العالم في مجال علم الفضاء والفلك في العقود المنصرمة، يفرض على علماء الفضاء والشركات المتنافسة أن يكثفوا الجهود لتطوير العلوم الفضائية والاختراعات الضرورية لدعمها.
وكما هو الحال في الاكتشافات العلمية والطبية التي تجعل العالم متشوق لمعرفتها وتجربتها، فالتجارب والتوقعات الفلكلية_الفضائية تأخذ حيزاً كبيراً من بداية كل سنة جديدة. وهذا ما ينطبق على سنة 2024 التي وضع فيها العلماء والمهتمون توقعات كبيرة في هذا المجال.
فما هي الأحداث الفضائية التي تم توقعها لسنة 2024 وما الذي تحقق منها؟
-أول رحلة مأهولة في محيط القمر منذ أكثر من 52 عاما، والتي خططت لها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” الأميركية في مطلع شباط 2024.
-روبوتات على سطح القمر، والتي ذكرت “ناسا” أنها سترسلها عام 2024 في إطار مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) بما يشمل روبوتات سوف تهبط على القطب الجنوبي للقمر لجمع بيانات علمية مهمة مثل الروبوت “فايبر” المتخصص في البحث عن الماء على سطح القمر، والروبوت “برايم 1” الذي سيقوم بإجراء تحليلات كيميائية لعينات الجليد على القمر ومهمة “الشبح الأزرق 1” الخاصة بجمع بيانات حول التدفق الحراري على القمر.
-أقمار جديدة في النظام الشمسي التي خطتت لها اليابان لتطلقها لدراسة أحد أقمار كوكب المريخ وهو القمر الأكبر “فوبوس” عام 2024 فيما تشمل المهمة هبوط روبوت بهدف جمع عينات من تربة هذا القمر.
-نشاط كبير حول الكوكب الأحمر بمبادرة من وكالة الفضاء الأوروبية المسبار “هيرا”، بهدف الوصول إلى القمر الكويكبي”ديمورفوس” والكويكب الأكبر منه حجما “ديديموس” في مداره فيما يبلغ قطر الكويكبين أقل من كيلومتر واحد.
-السياحة الفضائية التي كان من المتوقع أن يشهدها عام 2024 عبر اطلاق طائرات فضائية وهي مركبات قادرة على الطيران في مدار منخفض والهبوط مرة أخرى على الأرض على مدارج مثل الطائرات التقليدية.
انتقالًا الى الأحداث التي وقعت فعليًا خلال هذا العام والتي جعلته استثنائيًا في مجال الفلك، توصل العلماء في جامعة “سنترال لانكشاير” البريطانية إلى اكتشاف “هز عالم الفيزياء الفلكية” بحسب هؤلاء العلماء. وعلى بعد 9.2 مليار سنة ضوئية من الأرض وبقطر يبلغ 1.3 مليار سنة ضوئية ومحيط يبلغ 4 مليارات سنة ضوئية، اكتشفوا هيكلاً ضخماً على شكل حلقة في الفضاء أطلقوا عليه اسم “الحلقة الكبيرة”، وهو مكون من مجرات وعناقيد مجرية، ويقولون إنه كبير جداً لدرجة أنه يتحدى فهمنا للكون.
وقد استغرق تحديد جميع المجرات التي تشكل الهيكل الأكبر الكثير من الوقت والطاقة الحاسوبية. ويعد هذا الهيكل الكبير هو السابع الذي يتم اكتشافه في الكون، والذي يتناقض مع فكرة أن الكون سلس على أكبر المقاييس.
كما توصل تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي إلى اكتشافٍ مذهل، حيث كشف عن “GNz11″، موطن أقدم ثقب أسود في الكون المرئي. والأمر المذهل لا يتعلق بعمره، بل بحجمه الهائل، ما يشير إلى معدل نمو سريع يتحدى فهمنا الحالي لتكوين الثقوب السوداء.
وظهرت آراء علمية تقول إن “هذا اللغز الكوني يجبر على إعادة النظر في نماذج للكون المبكر ويثير أسئلة عميقة حول طبيعة المكان والزمان”.
من جهة أخرى، رصدت “ناسا” جسماً عملاقاً وغريباً في الفضاء الخارجي، وأهم ما يميزه هو السرعة الهائلة التي يتحرك بها خارج الكون، كما أن حجمه يبلغ آلاف أضعاف حجم كوكب الأرض، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة والتكهنات لدى الباحثين في مجال الفلك.
وبحسب الوكالة الأميركية، فان الجسم العملاق الذي تم رصده يبلغ حجمه 27 ألفاً و306 أضعاف حجم الكرة الأرضية، كما أنه ينطلق بسرعة كبيرة لدرجة أنه قد ينفصل عن مجرة درب التبانة بشكل كامل في وقت لاحق.
وقال تقرير نشرته جريدة “ديلي ميل”، إن الكوكب العملاق أو الجسم الفضائي الغامض يسير حالياً بسرعة تبلغ مليون ميل في الساعة الواحدة.
ويقول العلماء إنه تم رصد هذا الجسم على مسافة أكثر من 400 سنة ضوئية من كوكب الأرض (السنة الضوئية تساوي ستة تريليونات ميل).
ولم يحدد العلماء في “ناسا” ماهية الجسم الغامض الذي اكتشفوه، لكنهم قالوا إنه ربما يكون “قزم بني”، وهو نجم أكبر من كوكب ولكنه يفتقر إلى الكتلة اللازمة لدعم الاندماج النووي طويل الأمد في قلبه مثل شمس الأرض. وإذا تم تأكيد أن الجسم “قزم بني”، فسيكون أول جسم من نوعه يتم توثيقه في مدار فوضوي فائق السرعة قادر على الانفصال عن مجرتنا الأم.
كما حصل مشروع “ارتيميس” التابع “ناسا” على تمويل قيمته 27.2 مليار دولاراي بزيادة قدرها 5% مقارنة بسنين فائتة.
يضاف الى هذه الاكتشافات تسجيل اكثر من مئتي عملية اطلاق ناجحة حول العالم، وهو أعلى رقم في التاريخ.
والجدير بالذكر في هذا الإطار، أن الصين نفذت ستين مهمة فضائية خلال العام الحالي، مما عزز مكانتها كواحدة من ابرز القوى في استكشاف الفضاء. وهذا من شأنه أن يشعل السباق نحو الفضاء خاصة بين الشركة الأميركية “ناسا” ومنافستها في الصين “سي إيه إس سبيس” (شركة الفضاء التجارية الصينية) تباعًا للتنافس الإقتصادي والعسكري القائم بين البلدين.
من المؤكد أن الاكتشافات علمية كانت أم فضائية، تسير بسرعة كبيرة قياسًا لما كانت عليه سابقًا، وهذا من المواضيع التي تخلق تساؤلات كبيرة عند البعض حول مصير كوكبنا وحياتنا اليومية التي اصبحت الى حد كبير معتمدة بشكل اساسي على التكنولوجيا في كافة المجالات والأوقات.
لكن ما يثير التساؤلات أكثر هو وجود تناقض صارخ بين واقع دول دون اخرى، والتي يظهر فيها العدل شبه غائب والاهتمام بالفضاء أكبر من الإهتمام بما تبقى من أشخاص على كوكبنا.