“حفلة تنكّرية” على سطح “الجيران”!

| رندلى جبور |

نحن شعب مكوّن من جينات الانقسام.. نتوارثها من جيل إلى جيل.. نخفيها أحياناً متنكّرين بثياب الرقيّ والحوار والديمقراطية، ولكن “الحفلة التنكريّة” تنتهي بسرعة، فتسقط الأقنعة ونعود إلى حقيقتنا، لنكتشف أقدامنا ليست على الأرض، وأننا لا نكشف وجوهنا الحقيقية لبعضنا، وإنما نتنكّر لنظهر بما نتمنى على سطح “الجيران”!

كل لبناني يحتكر “اللبنانية” له وحده، وينفيها عن اللبناني الآخَر.

كل لبناني هو وحده على حق، والآخَر صاحب كل الأخطاء والخطايا.

كل لبناني يمحو من ذاكرته البَشِع من تاريخه، ولا يترك من عند الآخَر إلا البشع.

اللبناني عقله طائفي ومناطقي وحزبي ضيّق…

يريد أن يقول ما يشاء، ولكن على الآخَر أن يصمت، وكم مِن آخَر في هذا اللبنان.

يطالب بالحريات ليتمتع بها هو وحده، وهي ممنوعة على الآخرين الذين يتهمهم هم بالقمع.

اللبناني الذي يتفاخر بـ”لا عنصريته”، عنصري حتى العظم. يبدأ عند لحظة التعارف باللبناني الآخر بالسلسلة إياها: الإسم، العائلة، المنطقة، والبلدة… لا من باب تعميق المعرفة، بل من باب تجهيز الحُكم.

وعند سماعه أي رأي، هو كثيراً ما لا يكتفي بمخالفته بهدوء، بل يذهب إلى حدّ كره الشخص.

ما أسهل شيطنة الآخر عندنا.

ما أسهل رمي كل الموبقات عند الآخرين.

ما أسهل النسيان، وما أسهل ترك السيء في الذاكرة.

نحن لا نعرف أن نتحاور… نحن نتخانق ونختنق من كل رأي لا يعجبنا.

صوتنا عالي، ولكن قليلاً ما يعلو مع الحق.

يستفزّنا اللبناني الآخر أكثر مما يستفزنا العدو.

ننتصر بغيرنا على أرضنا، والهزيمة لفريق داخلي هي انتصار للفريق الثاني.

نتعامل مع المواضيع الحساسة بسطحية، والجميع يدّعي سعة الفهم، وبكل شيء.

الجميع “محلّلون” و”خبراء” و”عارفون للخفايا” و”مالكون للحقيقة”… مع أن الأكثرية الساحقة تابعة لصورة مضلِّلة على السوشال ميديا، أو لإرث قديم، أو لكلمة زعيم، أو حتى لجملة يقولها إبن الجيران.

مِن كل مَن يحكم على اللبناني الآخر، هل قرأ كتاباً واحداً وراجع التاريخ وتعمّق في السياسة والاستراتيجيا؟ وهل وضع ميزانه بعدالة على الطاولة وقاس الايجابيات والسلبيات هنا وهناك؟

نحن عاشقون للقِسمة، ولم نَهْوَ يوماً الجَمْع ولو ادّعيناه في كل مجالسنا!