| ريم هاني |
تبدو مختلف دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في حالة «ترقب» لما ستؤول إليه الأحوال في سوريا، بعد دخول الفصائل المسلحة إلى العاصمة دمشق، علماً أنّه منذ بداية الأحداث الأخيرة على الساحة السورية، حاولت واشنطن «النأي» بنفسها عنها، مؤكدةً أنه «لا علاقة لها بها، ولن تتدخل فيها». وعكست تصريحات كل من الرئيسين الأميركي، الحالي جو بايدن، والمنتخب دونالد ترامب، الموقف المتقدم، ولا سيما بعدما أكّد الأخير، في منشور عبر منصته «تروث سوشال»، أنّ سوريا «في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل شيئاً الآن، لأنّ تلك ليست (معركتنا)…».
وعلى الرغم من «التفاجؤ» الذي أوحت به واشنطن في بداية الأحداث، فإنها لم تتأخر كثيراً لبدء حراك سياسي وعسكري ل»تدارك» الوضع المستجد في سوريا، إذ قالت مصادر أميركية لوسائل إعلام إن الولايات المتحدة تعتزم التعامل مع «هيئة تحرير الشام» مستقبلاً، إنما «مع وضع مصالحنا في عين الاعتبار»، مؤكدة أن المسؤولين الأميركيين كانوا على اتصال «على مدار الساعة» مع «سوريين وشركاء آخرين في المنطقة».
ومن جهته، وإذ حذر بايدن، أمس، من أن بعض الفصائل السورية المسلّحة التي أسقطت الأسد، «لديها سجل قاتم من الإرهاب»، فهو أعلن، في المقابل، أن واشنطن «ستجري تقييماً للأفعال لا للأقوال، لمعرفة ما إذا كانت الفصائل المشار إليها قد أصبحت أكثر «اعتدالاً». وشدد على وجوب «محاسبة الرئيس السوري المخلوع»، على ما ارتكبه بحق «مئات آلاف السوريين الأبرياء» من «سوء معاملة وتعذيب وقتل».
أما عسكرياً، فأعلن البنتاغون أنّ طائراته أغارت، أمس، على أكثر من 75 هدفاً لتنظيم «داعش» في سوريا، «من أجل منعه من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم سعيه للاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا». وأردفت «القيادة الأميركية الوسطى» (سنتكوم)، في بيان، أنّ «الغارات الجوية الدقيقة» نفّذتها طائرات متنوعة، من بينها قاذفات بي-52 ومقاتلات إف-15 وطائرات إيه-10، «استهدفت معسكرات وعناصر» في التنظيم وسط سوريا، مشيرة إلى أنّ تقييم نتائج الغارات لا يزال مستمراً وأنه «لا مؤشرات إلى وقوع إصابات بين المدنيين».
وكان اعتبر ترامب، أمس، في أعقاب نجاح الفصائل المسلحة في الوصول إلى العاصمة السورية، أنّ «روسيا لم تعد مهتمة بحماية الأسد بعد الآن»، ولا سيما بسبب الحرب في أوكرانيا، مغتنماً الفرصة لدعوة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى «عقد صفقة» مع موسكو «ووضع حدّ للهجوم»، بعدما خسرت «نحو 400 ألف جندي والكثير من المدنيين». ويأتي ذلك في وقت يبدو فيه أنّ الكثير من الأسئلة تشغل أذهان المحللين الغربيين، وتحديداً حول مستقبل الحكم في سوريا وتبعاته على إسرائيل أولاً؛ إذ يتخوفون من سيناريو تحلّ فيها مجموعات تصنفها واشنطن على أنّها «إرهابية» مكان الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، في سيناريو لطالما عُرف في أوساطهم باسم «النجاح الكارثي»، والذي كانت «هيئة تحرير الشام» جزءاً منه لسنوات طويلة.
وفي هذا السياق، وإذ تقرّ صحيفة «واشنطن بوست» بأنّ تغييرات عدة طرأت على الجولاني، وسط تعهدات من الأخير بـ«الاعتدال والسماح بحرية العبادة ومنح المرأة حقوقها» وغيرها، فإنّ العديد من المراقبين «الأميركيين والشرق أوسطيين»، طبقاً للمصدر نفسه، «لم يقتنعوا بعد بمزاعمه حول الإصلاح». وتتابع الصحيفة أنّ ما يحصل قد يؤدي إلى تبعات أمنية «كبيرة» على جيران سوريا و«المئات من أفراد الخدمة الأميركيين المنتشرين في المواقع العسكرية في جنوب سوريا وشمال شرقها»، كما «على المدنيين السوريين».
كما حذّر بعض هؤلاء من تكرار تجربة «طالبان»، في أفغانستان، رغم التعهدات التي تقدمت بها الحركة قبل تولّيها الحكم. وتلفت الصحيفة إلى أنّ عدداً من المسؤولين أكّدوا أنّ «هيئة تحرير الشام» أعربت عن دعمها لـ«هجوم (حماس) الإرهابي» في السابع من تشرين الأول ضدّ إسرائيل. وفي حال فرضت «الهيئة» سلطتها على دمشق، فإنّ طبيعة نواياها وحكمها ستحتاج إلى أسابيع أو حتى شهور كي تتكشّف، وحتى ذلك الوقت، «سيكون الجولاني وأتباعه قد رسّخوا حكمهم» بالفعل، طبقاً للرأي المتقدّم.
من جهته، ينقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي قوله إنّ «إسرائيل أعربت للولايات المتحدة عن قلقها بشأن سيطرة عناصر إسلاميين متطرفين على سوريا من ناحية، أو سيناريو بديل تدخل فيه قوات إيرانية إضافية إلى البلاد، ما قد يعزز من نفوذ طهران». وفي حين يرى هؤلاء أنّ سقوط الأسد سيكون بمثابة «هزيمة استراتيجية لإيران»، إلا أنّه «قد يولّد تحديات أمنية كبيرة وتحديداً لإسرائيل، نظراً إلى (كوكبة القوات الإسلامية) المتورطة في الهجوم».
ويردف المسؤول أنّ كلاً من «إسرائيل ومصر والأردن أعربت عن قلقها للولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، بشأن التطورات في سوريا واحتمال حدوث تحول جذري داخل البلاد». كما يرى مراقبون أنّ ما يحصل قد يتعارض مع آمال ترامب في إحلال «الهدوء والسلام» في الشرق الأوسط، بدلاً من أن يصب لصالحه، ولا سيما أنّ إيران، وفي ردّ على محاولة «تطويقها»، قد تتشجع على «تطوير قنبلة نووية».
وينحسب عدم اليقين المشار إليه على تقرير أورده موقع منظمة «اللجنة اليهودية – الأميركية»، والذي يرى أنّ «الانهيار المحتمل لنظام الأسد هو سيف ذو حدين بالنسبة إلى إسرائيل»، نظراً إلى أنّه وفي حين قد «يُضعف النفوذ الإقليمي لإيران، من خلال القضاء على حليفها الرئيسي، فإنّه يخاطر أيضاً بزعزعة استقرار الحدود الشمالية لإسرائيل». ويردف أنّ «الفراغ» في السلطة في سوريا قد يؤدي إلى «تمكين الجماعات الإسلامية المتطرفة أو الجهات المعادية، ما سيزيد من التهديدات لأمن إسرائيل واستقرارها الإقليمي». وبالفعل، ترجمت الممارسات والتصريحات الإسرائيلية الرسمية الأخيرة المخاوف المشار إليها، بعدما شدّد رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على ضرورة «القيام بما يلزم لحماية الحدود وضمان الأمن»، مُصدِراً تعليمات إلى جيش الاحتلال بـ«الاستيلاء على المنطقة العازلة مع سوريا، والمواقع القيادية المجاورة لها».