| خاص ـ “الجريدة” |
انتقمت المعارضة السورية من التاريخ، و”أعدمت” كل ما يمت بصلة إلى حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد ثم نجله الرئيس بشار الأسد، والذي امتد لأكثر من نصف قرن (53 سنة).
كلما تقدّم مقاتلو المعارضة في المدن والقرى السورية، كان مقاتلو الفصائل السورية يسارعون إلى إسقاط رموز النظام السابق بتنفيذ عمليات “إعدام” بمفعول رجعي لكل من الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد وشقيقه الراحل باسل الأسد، عبر تحطيم تماثيلهم وتمزيق صور بشار في الشوارع والمباني الحكومية، ودعسها وإحراقها وإطلاق الرصاص عليها.
لم يكن بشار الأسد جاهزاً لرئاسة سوريا كوريث لوالده الرئيس حافظ الأسد الذي كان قد أعد ابنه الأكبر، باسل، لخلافته، لكن عندما توفي باسل بحادثة سيارة عام 1994، تحول طبيب العيون بشار من طالب دراسات عليا في لندن، إلى وريث للحكم.
تولى بشار الأسد رئاسة سوريا عام 2000 بعد وفاة والده، وحاول بداية الانفتاح وتقديم نموذج جديد للحكم، وأبعد “الحرس القديم” في النظام الذي حكم إلى جانب والده، وخفّف من قبضة حزب “البعث العربي الإشتراكي” على النظام. إلاّ أنه واجه معارضة داخلية قوية من رموز حكم والده.
قدم بشار الأسد نفسه في كثير من الأحيان كرجل متواضع قريب من الشعب، وظهر في مقاطع مصورة وهو يقود سيارة خاصة متواضعة، وفي صور مع زوجته خلال زيارتهما لقدامى المحاربين في بيوتهم.
لم يقدّم طبيب العيون بشار الأسد نفسه كرجل عسكري، على الرغم من ترقيته إلى رتبة “فريق أول” عند توليه رئاسة سوريا، وحاول دائماً الظهور بمظهر مدني يرتدي ربطة عنق لديه فلسفته وتحليله وأفكاره. ولذلك، يندر العثور على صوره بالزي العسكري باستثناء خدمته العسكرية.
تبنى الأسد إصلاحات ليبرالية تحت شعار “ربيع دمشق”، وأطلق سراح مئات المعتقلين السياسيين وقدم مبادرات إلى الغرب وفتح الاقتصاد أمام الشركات الخاصة.
لكن هذا المسار توقف بعد الغزو الأميركي للعراق، حين أصبح الجيش الأميركي على حدود سوريا، وعندما بدأت الولايات المتحدة محاولة تغيير النظام في سوريا بفرض شروط على بشار الأسد الذي لم يرضخ. ثم جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان واتهام سوريا بتنفيذ عملية الاغتيال، وخروج الجيش السوري من لبنان بعد نحو 30 سنة من انتشاره فيه، في ظل مقاطعة عربية له. وقد دفعت هذه الأحداث بشار الأسد للعودة إلى التشدّد في إحكام قبضته على الحكم.
في العام 2010، بدأ ما يسمّى “الربيع العربي” في مصر وليبيا وتونس، فتمدّد سريعاً إلى سوريا في العام 2011، وواجه بشار الأسد تحدياً جديداً وخطيراً على نظام حكمه، ما دفعه إلى مواجهة المعارضة بالقوة، بينما كانت الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية وقطر، وتركيا، يدعمون بشكل كبير تلك المعارضة التي تحولت إلى معارضة مسلّحة، وتمكنت من السيطرة على قسم كبير من سوريا، وطوّقت العاصمة دمشق، وكاد بشار الأسد أن يسقط لولا الدعم الذي تلقاه من روسيا وإيران و”حزب الله”، حيث نجح باستعادة السيطرة على الأرض اعتباراً من عام 2015.
صمد الأسد، على الرغم من أن عدداً من القادة الأجانب اعتقدوا أن نهايته وشيكة في الأيام الأولى من الصراع، عندما فقد مساحات شاسعة من سوريا لمصلحة المعارضة.
ومع تراجع المعارضة واقتصار وجودها على إدلب وريف حلب وبعض مناطق شمال غربي سوريا، شهد حكم الأسد هدوءاً نسبياً لسنوات عدة إلا أن أجزاء من البلاد ظلت خارج سيطرته وعانى الاقتصاد من العقوبات الدولية.
استأنف الأسد العلاقات مع الدول العربية التي تحاشته في السابق، لكنه ظل مرفوضاً بالنسبة لمعظم دول العالم، ولم ينجح في إحياء الدولة السورية المتهالكة.
ولم يدل الأسد بأي تصريحات علنية منذ سيطرة المعارضة على حلب قبل أسبوع، لكنه قال في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني، إن التصعيد يهدف إلى إعادة رسم المنطقة من أجل المصالح الغربية، وهو ما يعكس وجهة نظره في شأن هجوم المعارضة باعتبارها مؤامرة مدعومة من الخارج.
وفي تبريره للتعامل مع المعارضة في المراحل الأولى، شبّه الأسد نفسه بالجراح. وقال عام 2012 “هل نقول للجراح: أيديك ملطخة بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟”.
تجاوز عدد القتلى في الحرب السورية على مدى 14 سنة ما يزيد عن 350 ألفاً وفر أكثر من ربع السكان إلى الخارج.
حظي الأسد بدعم سوريين اعتقدوا أنه ينقذهم من الإسلاميين المتشددين، ومع ظهور الجماعات المسلحة المتأثرة بفكر تنظيم “القاعدة”، تردد صدى هذا الخوف بين الأقليات، وسعت قوات المعارضة إلى طمأنة المسيحيين والعلويين وغيرهم من الأقليات بضمان حمايتهم خلال تقدمها في الأيام الماضية.
تشبث الأسد بفكرة أن سوريا هي معقل القومية العربية العلمانية، حتى مع اتخاذ الصراع منحنى أكثر طائفية، وفي حديثه لمجلة “فورين أفيرز” عام 2015، قال الأسد إن الجيش السوري “يتألف من كل أطياف المجتمع السوري”، لكن بالنسبة لخصومه، كان الأسد يذكي نيران الطائفية.