لفت زعيم تحالف الفصائل المسلحة “أبو محمد الجولاني” الأنظار، خلال الأيام الماضية، بعد أن نجحت مظلة “إدارة العمليات العسكرية” التي تنضوي تحتها فصائل مسلحة، من ضمنها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بالسيطرة على ريف ومدينة حلب وعلى مدينة حماة وريفها وبدء التوغل داخل الريف الشمالي لمدينة حمص والتوجه نحو العاصمة دمشق.
“الجولاني”، الذي تمكنت قواته بالتعاون مع فصائل مسلحة أخرى من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا، تحوّل من تبني خطاب إسلامي متشدد إلى اتباع نهج أكثر اعتدالاً، في محاولة واضحة لتحسين صورته.
وتخلّى “الجولاني” تدريجياً عن العمامة التي كان يعتمرها في بداية الحرب، ليرتدي زياً عسكرياً وأحياناً الزي المدني.
وأعلن زعيم هيئة “تحرير الشام”، المعروفة سابقا بـ “جبهة النصرة” والتي كانت تمثل فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، بأن “إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، الذي يتولى الحكم منذ عام 2000، يظل الهدف الرئيسي للفصائل المعارضة”.
ومنذ انفصال “جبهة النصرة” عن تنظيم “القاعدة” في العام 2016، يحاول “الجولاني” تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالاً، من دون أن يتمكن فعلاً من إقناع المحللين أو حتى الحكومات الغربية التي تصنّف “هيئة تحرير الشام” مجموعة إرهابية، ويعتبره المتخصص في الفصائل المسلحة في سوريا توما بييريه أنه “متطرف براغماتي”.
ويوضح الباحث في “المركز الوطني للبحث العلمي” في فرنسا أنه “في العام 2014، كان في ذروة تطرفه من أجل أن يفرض نفسه في مواجهة تطرف تنظيم الدولة الإسلامية (الذي كان في ذروة سيطرته وقوته في سوريا آنذاك)، قبل أن يعمد لاحقاً إلى التخفيف من حدّة تصريحاته”.
وفي مؤشر جديد على رغبته في تغيير صورته، بدأ، بعد بدء بعد هجوم الفصائل المسلحة على الجيش السوري في 27 تشرين الثاني، بتقديم نفسه باسمه الحقيقي: أحمد الشرع، بدل إسمه الحركي.
من هو أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني):
ولد أحمد الشرع في العام 1982 في العاصمة السعودية الرياض لأبوين سوريين من مرتفعات الجولان، حيث عمل والده مهندساً للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلته إلى سوريا، وكان عمره 7 سنوات، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق، في كنف عائلة ميسورة، وبدأ دراسة الطب في دمشق لمدة عامين، حيث ظهرت أولى علامات الجهاد في حياة “الجولاني” بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة في العام 2001، وبدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق، وكان ينتقل من دمشق إلى حلب لحضور خطب الجمعة التي كان يلقيها محمود قول آغاسي “أبو القعقاع” في “جامع العلاء بن الحضرمي” بحي “الصاخور”، وحين تعرض العراق للغزو الأميركي في مارس/آذار 2003، دعا محمود قول آغاسي إلى مقاومة هذا الغزو، فترك الجولاني سنته الدراسية الثالثة في الطب وغادر إلى العراق للانضمام إلى تنظيم “القاعدة” في العراق.
وارتقى “الجولاني” بسرعة في صفوف تنظيم “القاعدة” في العراق، حتى أصبح من المقربين لـ “أبو مصعب الزرقاوي”. وتردّد أنه انتقل إلى لبنان بعد مقتل الزرقاوي حيث قيل إنه أشرف على تدريب جماعة “جند الشام”.
سُجن “الجولاني” من قبل القوات الأميركية لمدة خمس سنوات، في سجن “أبو غريب” بداية، ومن هناك نقلته إلى سجن “بوكا”، ومن ثم سجن “كروبر” في مطار بغداد، وبعد ذلك سلمته أميركا إلى الحكومة العراقية التي وضعته في سجن “التاجي”. وعززت هذه الفترة اتصالاته بشبكات الجهاديين، بما في ذلك قادة تنظيم “داعش” المستقبليين. وقد انضم إلى تنظيم “داعش” في العراق بعد إطلاق سراحه عام 2008.
في العام 2021، قال في مقابلة مع محطة “بي بي اس” (PBS) الأميركية إن اسمه الحركي “أبو محمد الجولاني” مستوحى من أصول عائلته المتحدّرة من مرتفعات الجولان، وإن جدّه نزح من الجولان بعد احتلال “إسرائيل” لجزء كبير من هذه الهضبة السورية سنة 1967.
ووفقاً لمراقبين فقد عاد “الجولاني” إلى موطنه سوريا في أغسطس/ آب من عام 2011 حيث قام بإنشاء فرع لتنظيم القاعدة للانضمام إلى القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
بعد بدء الحراك الاحتجاجي ضد الرئيس السوري بشار الأسد في العام 2011، عاد إلى وطنه ليؤسس “جبهة النصرة” التي أصبحت في ما بعد “هيئة تحرير الشام”. في عام 2013، رفض التقرّب من زعيم تنظيم “داعش” آنذاك “أبو بكر البغدادي”، وفضّل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري.
ويرى أنصار “الجولاني” أنه “واقعي”، ويقول خصومه إنه “انتهازي”. وقد أعلن في العام 2015 إنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، كما يفعل تنظيم “داعش”، أو كما فعلت “القاعدة”. وأوضح أنه عندما انفصل عن تنظيم “القاعدة”، إنما فعل ذلك “لإزالة ذرائع المجتمع الدولي” لمهاجمة تنظيمه.
ويقول الباحث الفرنسي بييريه إنه منذ ذلك الحين، واصل “خطّ مساره كرجل دولة في طور التكوين”.
فرض “الجولاني” في كانون الثاني2017 على الفصائل المسلحة في شمال سوريا الانخراط في صفوف “هيئة تحرير الشام”، بعد مواجهات بين المجموعات المسلحة وتوترات. ثم شكّل إدارة مدنية لإدارة المناطق التي تسيطر عليها “الهيئة” في شمال غرب سوريا.
في إدلب (شمال غرب سوريا)، اتهم سكان وأقارب معتقلين ومدافعون عن حقوق الإنسان “هيئة تحرير الشام” بارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وفقاً للأمم المتحدة، ونظموا تظاهرات احتجاجية على هذه الممارسات في المنطقة.
بعد بدء هجوم الفصائل الأخير، سعى “الجولاني” إلى طمأنة سكان حلب التي تضم نسبة كبيرة من المسيحيين، داعياً مقاتليه إلى الحفاظ على “الأمن في المناطق التي تمكن من السيطرة عليها”.
وقال الباحث آرون لوند: “أعتقد أنها قبل كل شيء مسألة سياسة ناجعة. فكلما قلّ خوف السوريين والمجتمع الدولي، بدا الجولاني لاعباً مسؤولاً وليس متطرفاً جهادياً، وأصبحت مهمته أسهل”.
وأضاف: “هل هذا صادق تماما؟ بالتأكيد لا. هذا الرجل ينتمي إلى نهج أصولي ديني متشدد جداً. لكن ما يقوم به هو الشيء الذكي الذي يجب قوله أو فعله في هذا الوقت”.