| جورج علم |
المؤشرات مقلقة. والأسماء التي يتداولها دونالد ترامب لا توحي بمستقبل مشرق. يبني الرجل هرميّة إدارته من حواضر المحافظين المتشدّدين الذين يدينون بالولاء المطلق لـ”إسرائيل”، في ظلّ أجوبة ضائعة في متاهات الشعارات الأميركيّة الكبرى التي تتحدث عن الحريّة، والديمقراطيّة، والعدالة، وحقوق الإنسان، والقيم القانونيّة والأخلاقيّة.
مارك روبيو المرشّح لمنصب وزير الخارجيّة خلفا لأنتوني بلينكن، يرفض “وقف إطلاق النار في غزّة”. يحمّل “حماس مسؤولية قتل المدنيين لأنها تقيم منشآتها قرب مراكز الإستشفاء والإيواء”. ويصف عناصرها “بـ (…) الشريرة، ويتوجب تدميرهم”!
المرشّحة لمنصب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ليز ستيفانيك، زارت الكنيست قبل شهر “تضامنا مع إسرائيل”. وطالبت بـ”مساندة غير مشروطة للجيش االإسرائيلي بكل ما يحتاجه من إحتياج، ومن دون شروط تعوق إنجاز النصر الكامل في وجه الشر”. وتتّهم منظمة التحرير، والفصائل الفلسطينيّة، على أنها “مصابة بالعفن المعادي للساميّة”!
السفير الجديد المنتدب لدى تل أبيب، مايك هاكابي، لا يعترف بالضفة الغربيّة. لا شيء في قاموسه السياسي إسمه “الضفة الغربيّة”. لا يوجد شيء إسمه مستوطنات، بل قرى، ومدن، وأحياء. لا يوجد شيء إسمه فلسطين!
هذه نماذج من الطاقم الذي سيتولّى معالجة الملفات الساخنة في القرية الكونية. هذه طلائع الفريق الترومبي “الكاميكازي”. ومن يراهن على مقتطفات تفاؤليّة في سرديات “الترامبيّة الثانية”، عليه أن يتذكر الأولى عندما كان الرئيس المنتخب نزيل البيت الأبيض ما بين 2016 و2020 ، وقد حرص يومها على ان يكون الداعم الفعلي للإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. وهو الذي أصرّ على نقل مقر السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس المحتلّة. وهو الذي إعترف بـ”السيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان المحتلة”. وهو الرئيس الذي أصرّ على إتفاقات التطبيع بين عدد من الدول العربيّة و”إسرائيل”، من دون أن يقدّم وعداً ـ مجرّد وعد ـ في السعي لحل الدولتين، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
لنا في لبنان ضمن حاضنة الرئيس الأميركي المنتخب، مسعد بولس، والد مايكل بولس صهر ترامب، ومستشاره كمنسّق للعلاقات العربيّة ـ الأميركيّة، ومسانده في حملته الإنتخابيّة حيث أمّن له أصوات عرب “ميشيغين” – الولاية المتأرجحة – ونال 42.5 بالمئة من الأصوات، مقابل 36 بالمئة لكامالا هاريس.
يقول بولس “إن ترامب كتب في 30 تشرين الأول الماضي، في منشور على حسابه بمنصّة “إكس”: “سأحل المشكلات التي سببتها كامالا هاريس وجو بايدن، وأوقف المعاناة والدمار في لبنان”. مشيراً إلى أنه “يودّ أن يعود الشرق الأوسط إلى سلام حقيقي، سلام دائم، وسوف نحقق ذلك على الوجه الصحيح حتى لا يتكرّر الأمر كلّ خمس أو عشر سنوات”.
وأكد بولس بأن ترامب “سينفّذ الوعود التي كتبها في رسالة وجهها للبنانييّن بشأن وقف الحرب، والقتل، وتحقيق السلام في غزّة، ولبنان”.
ولم يستبعد أن يقبل ترامب “بتوقيع إتفاق نووي جديد مع إيران يحقّق إرتياحاً لدى المجتمع الدولي”. ويؤكد بأن ترامب “يكّن كل الإحترام للشعب الإيراني، ولا يمانع من التواصل مع النظام الحالي في إيران”.
ووفقا لوكالة “أسوشيتدبرس” يتمتع بولس بخلفيّة سياسيّة في لبنان، حيث ترشّح لمقعد برلماني عام 2009 عن دائرة الكورة، لكّنه لم يفز. ويصف نفسه بأنه صديق لسليمان فرنجيّة.
يبقى السؤال اللغز: هل يلعب دوراً ما في إقناع ترامب بوقف المسار الإسرائيلي التدميري الذي يقوده بنيامين نتنياهو ، وفريقه الأصولي المتشدّد، ويجد حلّاً يليق بلبنان السيّد، الحر، المستقل، الموحّد أرضاً، وشعباً، ومؤسسات؟
وفق ما هو متداول في الإعلام، يعتمد بولس على عاملين:
الأول، أنه أصبح جزءاً من عائلة ترامب بعد زواج نجله مايكل من تيفاني الإبنة الصغرى للرئيس المنتخب، وقد ذكر بولس سابقاً أنه شارك في أنشطة الحزب الجمهوري أثناء دراسته الجامعيّة بجامعة هيوستن حيث حصل منها على درجة دكتوراه.
الثاني، نجاحه في إقناع الناخبين العرب بأن ترامب “لديه مقاربة مغايرة للديمقراطييّن، وسيعمل على إعطاء الأولويّة للإستقرار، وتفادي إندلاع نزاعات جديدة في الشرق الأوسط”. لقد حقّق نجاحاً في صفوف جالية عربيّة يزيد عدد أفرادها عن 400 ألف مواطن عربي، صوّتوا لمصلحة ترامب، وساعدوه على حصد نتائج باهرة في ولاية “ميشيغين” التي كانت ديمقراطيّة الهوى في السابق.
إلاّ أن عودة “المحافظين الجدد” إلى البيت الأبيض، وبعناوين فاقعة ضدّ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين، والتعاطف مع مطالب اليمين الإسرائيلي المتطرف، والهادف إلى تغيير خرائط ودول وكيانات طبقاً لمواصفات “إسرائيل الكبرى” على خريطة الشرق الوسط الجديد، يجعل المبادرة الفردية أشبه بالفراشة التي تحيك الشرنقة بخيوط حريريّة بيضاء قبل أن تختنق داخلها، كنتيجة حتميّة لتضارب المصالح الإقليميّة ـ الدوليّة المتطاحنة. ويكفي أن تل أبيب، وقد بدأت منذ السادس من هذا الشهر، وبعد مرور ساعات على ظهور بولس مبتسماً إلى جانب ترامب، وفريق عمله، بدأت السعي لمحاصرته، وإحباط أي جهد يقوم به لإنقاذ لبنان متحرراً من الهيمنة الإسرائيليّة التي يسعى نتنياهو إلى تكريسها كلازمة في أيّ نصّ إتفاق يدبّج حول وقف إطلاق النار في الجنوب، والسعي إلى تحديد ملامح اليوم التالي للبنان المستقبل.
واللافت أن نظرة لبنان الرسمي إلى آموس هوكشتاين فيها وضوح كامل. أما النظرة إلى مسعد بولس ففيها حَوَل! وهل سيبقى للبنان عين تبصر، وبصيرة أمل، أمام هذا السيل الأصولي الجارف، المتطرف، الزاحف نحو البيت الأبيض، لإحتلال دوائر القرار في واشنطن خلال الولاية الترامبيّة الجديدة؟!