| ناديا الحلاق |
إنّ أعظم حقوق الإنسان، الذي أقره “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” عام 1948، بعد الحرب العالمية الثانية، هو الحق في الحياة، وبالتالي الحق في الغذاء والتعليم والعمل والصحة والحرية.
أين اللبناني اليوم من شرعة حقوق الإنسان في الحرب التي يشنها العدو الإسرائيلي على لبنان؟
وضع العدو المجرم الشعب اللبناني في خانة “الإنسان المهدور”، وشرّع سفك دمه، واستباح أرضه وشيوخه ونساءه وأطفاله.
كيف لهذا الشعب الصمود والمقاومة، وهو الذي يعاني على مدى أكثر من خمسين عاماً، من “حربين”، حرب خارجية للبقاء على قيد الحياة والحفاظ على الحد الأدنى من العيش بكرامة، وحرب داخلية نفسية مستمرة للحفاظ على التوازن النفسي؟
اللبناني، وفي الحربين، من دون آلية دفاع جسدية ونفسية، مسلوب الإرادة. اللبناني كان يُهدّد بالموت، أما اليوم فهو بمواجهة الموت.
أسلوبه في مواجهة الحروب، منهم من يرقص ويلعب ويغني، منهم من يكتب ويعبر، وآخرون يبتلعون الصدمة بصمت.
مهما تعدّدت أساليب ترويضها، فالثابت الأساسي في الحروب هو قساوة دمارها وأصواتها وروائحها وصدماتها.
المحللة النفسية ثروت دليقان تناولت موضوع الصحة النفسية للبنانيين وتأثُرها بالحرب الدائرة في البلاد والآلية المناسبة لإنقاذها.
ورأت دليقان في لقاء مع موقع “الجريدة” أن اللبناني اليوم أمام “عودة المكبوت”، أي “عودة ما كُبت في حرب تموز 2006 وفي انفجار 4 آب واعتقَدَ أنه نسيه تماماً، فالمكبوت لا يموت إنما يتحوّل إلى أعراض جسدية ونفسية. حالياً لا يستطيع اللبناني أن يكبت لأنه في قلب المعركة. فهو يتابع لحظة بلحظة سقوط كل قذيفة، رغم أنه قد يكون هوالمستهدف”. وأشارت إلى أن “تاثيرات الحرب هي نفسها: ذعر، قلق، عجز، يأس لأنه أمام المجهول، شعور خانق بالظلم، ترقب للموت”.
وتابعت دليقان: “اللبناني في السابق كان لديه أمل في النجاة والعودة إلى بيته. أما اليوم فإنه فَقَدَ الأمل، خصوصاً أنه يسمع باستمرار عن تكرار سيناريو غزة في لبنان. كما أن قسماً من اللبنانيين يقع في قلب المعركة وفي مواجهة الموت المحتم، وقسم آخر يلامس الموت بخطوات”.
وتضيف: “كل ذلك أدى ذلك إلى حالة نفسية مضطربة جعلته غير قادرعلى الإستمرار في عمله وروتينه اليومي، مع التمسّك بمتابعة الأخبار بدقة من دون ملل على الرغم من التأثير النفسي السلبي للموضوع”.
وبحسب دليقان فإن اللبناني يقع في مواجهة ما يسمى “نزوات الموت”، وفق المفهوم الفرويدي، وعليه أن يلجأ إلى تفعيل “نزوات الحياة” التي تؤمّن التوازن النفسي، وتحفّز البحث عن الطعام والشراب، وتساعد في البحث عن الحب والتفاعل الإجتماعي التي هي حاجات اساسية لبقاء الإنسان.
فما الذي يستطيع فعله كي يبتعد عن كل هذا الخوف والقلق الذي يحاصره في يومياته؟
هنا ترى دليقان أن التواصل مع الأهل والأصحاب والأقرباء، والتواصل مع النازحين بأي طريقة، قد يقلل من هذا الشعور. إضافة إلى الإلتزام بروتين يومي يعطي الشعور بالأمان. وممارسة طقوس يومية، مثل رياضة، تأمل، تمارين تنفس، سماع موسيقى، متابعة هواية خاصة، متابعة مواضيع يرغبها على مواقع التواصل، والإكتفاء بوقت قليل لمتابعة الأخبار. وأخيراً تعلّم مهارة جديدة.
أما بالنسبة للأطفال وتأثير الحرب على صحتهم النفسية، فتلفت دليقان إلى أن الاطفال يستمدون القوة والأمان والثبات من الوالدين والعائلة، “لذا لا بد من ضرورة استقرار الوالدين نفسياً، والمحافظة على الحد الأدنى من التوازن النفسي أمامهم. هذا لا يعني عدم مشاركتهم بما يجري، لكن بطريقة هادئة وصادقة، أي شرح ما يجري من دون تضخيم ومن دون تخمين، إضافة إلى طمأنتهم بانهم إلى جانبهم دائما من أجل حمايتهم. المشاركة ضرورية جداً في هذه الأوقات الصعبة، والإستماع إليهم من دون مقاطعتهم أمر مهم. عندما نتشارك المشاعر السلبية يقل تأثيرها”.
وتؤكد دليقان أن أفضل العلاجات الوقائية هي مواجهة الخوف عن طريق التعبير عنه بوضوح، أي وضع كلمات واضحة لمشاعرنا الحالية، شرحها وفهمها، من دون الهروب منها، وذلك ضمن لقاءات متكررة أسبوعياً بعيداً عن وسائل التواصل الإجتماعي وأي شىء قد يشتًت الإنتباه أثناء اللقاء. إضافة إلى وضع برنامج أسبوعي للأطفال يشاركون فيه بالأعمال اليومية في المنزل، ونشاطات مع أصدقائهم وأقاربهم تلهيهم عن الوضع الحالي للحرب، مع التأكد على عدم سماع أي معلومة من الخارج قد تدخل الرعب إلى نفوسهم.














