أطلقت وثيقة استخباراتية إسرائيلية على الأمين العام لـ”حزب الله” السيد الشهيد حسن نصر الله، قبل اغتياله، لقب “شيخ الأعداء”.
وحاولت الوثيقة، التي أدرجت تحت بند “سرّي للغاية”، تحليل شخصية السيد نصر الله والتغييرات التي طرأت عليها منذ العام 2006، بينما كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، التي نشرت الوثيقة، أنه منذ انتهاء عدوان 2006، بدأت الاستخبارات الإسرائيلية تستثمر جهوداً جبارة استعداداً للحرب المقبلة مع “حزب الله”.
ورأت الصحيفة العبرية أن عمليات تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، وُلدت من إدراك أنّ الحذر الشديد الذي يتخذه “حزب الله” مع وسائل الاتصال الخلوية، دفع التنظيم للانتقال التدريجي إلى استخدام وسائل اتصال أخرى.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في استخبارات الاحتلال تأكيدهم أنّ المراقبة اللصيقة لكبار مسؤولي “حزب الله” خلقت معرفة عميقة بهم، “ووفّرت الكثير من المعلومات عن الخطط.
وزعمت الصحيفة العبرية، أن نصر الله كان خائفاً من حرب واسعة، وهو ما دفع “إسرائيل” إلى التصعيد، وأن نصر الله “ربما لن يدرك أنه في مواجهة كاملة إلا بعد فوات الأوان بالنسبة له”.
الوثيقة السرية الإسرائيلية صاغها رئيس قسم الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” العميد عميت ساعر، في 23 يوليو/ تموز 2023، وقدّمها لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وحلّلت تفسيراً لتغيّرات قالت إنها طرأت على شخصية نصر الله، منذ نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، مروراً بفترة الأزمة الداخلية الإسرائيلية على وقع التعديلات القضائية، وصولاً إلى الحرب الحالية.
وقالت الوثيقة: “فجأة توقفنا عن فهم نصر الله”. وشرح عميت ساعر في الوثيقة الأسباب: “حسن نصر الله هو شيخ أعدائنا. لقد عرفناه جيداً منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومنذ عام 2006 كان لدينا شعور بأنّ قواعد اللعبة واضحة ومقبولة على الجانبين. في العام الماضي، فاجأنا نصر الله أكثر من مرة باستعداده للمخاطرة (منصة كاريش، عملية مجيدو، الكمين في البوكمال، إطلاق مسيرات من سورية). وعندما نحاول فهم سبب التغيير، على افتراض أنّ الإنسان لا تتغير شخصيته في العقد السابع من عمره، فإننا نشير إلى تعزز أمرين بقوة: الأول، أنه بعد رحيل سليماني (قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس الإيراني الذي اغتيل في يناير/ كانون الثاني 2020) بات نصر الله يلعب دور الوسيط في المنطقة لزعيم إيران، ويكون الأداة الرئيسية التي تؤثر على المنطقة لمصلحة إيران. ومع قوة كبيرة تأتي مسؤولية كبيرة، فعندما شعرت إيران بأنها تعاني من عجز في الردع ضد إسرائيل، تزايدت التوقعات بأن يساهم نصر الله بحصته. وهكذا فإنّ نصر الله هو الرجل الذي سيقنع بشار الأسد (رئيس النظام السوري) بالسماح باستخدام القوة من أراضيه، وهو أيضاً الرجل الذي سينفّذ هجوماً في مجيدو من منطلق فهمه للحاجة الإيرانية”.
أما الأمر الثاني، بحسب الوثيقة، “فهو متعدد الأوجه، ويقوم على ثقة حزب الله بنفسه في مواجهة إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، يشعر نصر الله بأنه فك رموز التفكير الإسرائيلي، وخاصة خريطة القيود والمكابح لديها. نصر الله غير معني بالحرب مع إسرائيل ويدرك أنها ستكون مدمّرة للبنان، لكنه يشعر أن لديه مجالاً لشد الحبل من دون قطعه. هذا الفكر يقوده إلى التساهل للمخاطرة. الربط بين المنطق الإيراني وشعور نصر الله بالأمان يخلق مزيجاً فيه عنصر متفجر متزايد”.
وبحسب الصحيفة العبرية، “يوم الجمعة الماضي تحوّل المزيج الذي أشار إليه ساعر بدقة، مع تزايد العنصر المتفجر، إلى رعد هائل بلغ 83 قنبلة أسقطت على المخبأ الذي عقد فيه الأمين العام لحزب الله اجتماعاً مع كبار أعضاء فريقه، وإلى جوارهم – كما ورد في طهران – جنرال من فيلق القدس الإيراني الذي يشرف على منطقة لبنان وسورية”.
أضافت “لقد شعر نصر الله بأنه فك رموز التفكير الإسرائيلي. وبعد شد الحبل طوال العام الذي سبق الحرب، في سلسلة الأحداث التي فصّلها العميد ساعر حتى اللحظة التي كتب فيها هذه الوثيقة الحساسة، جاء عام من الحرب شد فيه نصر الله الحبل أكثر قليلاً، ثم أكثر قليلاً، وفي كل مرة لا ينقطع فيها زاد الشد أكثر قليلاً، حتى انفجر بصوت انفجاري هائل وألسنة من نار أكلت أجزاء كبيرة من حزب الله، من القيادة والقوة المقاتلة، والقيادة العليا ومن مخزون أسلحته وذخائره”.
ورأت الصحيفة أنه “بمرور الوقت، إلى جانب كميات كبيرة من المواد المختلفة والمعلومات الاستخبارية، سيثبت مدى صحة كلام ساعر، ومدى عمق ودقة نظرة مجموعة المحور – إيران وحزب الله وحماس ونظام الأسد (في سوريا) والجهاد الإسلامي – إلى الانقلاب القضائي الصارخ الذي قادته حكومة نتنياهو، وعملية التفكك التي جلبتها على الديمقراطية الإسرائيلية وأمن إسرائيل والمجتمع الاسرائيلي.
ويأتي هذا إلى جانب الهيجان الجامح للمستوطنين في الضفة الغربية (المحتلة)، واستفزازات (إيتمار) بن غفير (وزير الأمن القومي) في المسجد الأقصى، وجهود (بتسلئيل) سموتريتش (وزير المالية والوزير في وزارة الأمن) لضم الضفة بهدوء، وسحق السلطة الفلسطينية”.
واعتبرت الصحيفة أن عقلية قادة “محور المقاومة” التي وصفها ساعر بشأن الحاصل في إسرائيل، كانت الأساس الذي استند إليه قرار حركة حماس بمهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما دعمت قرار نصر الله بمهاجمة إسرائيل اعتباراً من 8 أكتوبر، مع تجنّب حرب شاملة. وكتب ساعر: لكنه (نصر الله) زاد حجم الرهان مراراً وتكراراً معتقداً أن إسرائيل، كما قال في خطابه الشهير، ليست سوى “بيت العنكبوت” وستخشى المضي حتى النهاية”.
وكتب ساعر في الوثيقة: “يلاحظ نصر الله الضعف الداخلي وعدم الاستقرار، ويؤكد إمكانية انهيار إسرائيل والقضاء عليها من الداخل. ويتماشى الوضع الداخلي مع عقيدته، التي ترى في إسرائيل كياناً مؤقتاً اقتربت نهايته”. لاحقاً بدأت الحرب، وأوضح نصر الله في خطاب ألقاه في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، أن حزب الله ليس في حرب شاملة مع الجيش الإسرائيلي، وإنما فتح جبهة إسناد، لتخفيف الضغط عن غزة.
وكشفت الصحيفة أنه “منذ انتهاء عدوان 2006، بدأت الاستخبارات الإسرائيلية تستثمر جهوداً جبارة استعداداً للحرب المقبلة مع حزب الله. وشملت الجهود فيما شملت، وفق الصحيفة العبرية، ما بين طائرتين وأربع طائرات لجمع المعلومات الاستخبارية، تم تخصيصها للجبهة اللبنانية، وهكذا تعقّبت إسرائيل حتى أصغر التغييرات في المباني من أجل رصد أي محاولة لإخفاء وسائل قتالية”.
وتابعت: “في السنوات الأخيرة سنحت عدة فرص أمام إسرائيل لاغتيال نصر الله، لكنها لم تفعل ذلك، لأسباب من بينها عدم رغبتها بالانجرار لحرب واسعة ضد حزب الله، والاعتقاد بأنه يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة، فضلاً عن خلافات في الرأي بين مختلف المستويات الإسرائيلية، الأمنية والعسكرية والسياسية، على خلفية النتائج الصعبة لحرب 2006”.
وأضافت: “استثمرت معظم الجهود في تعقب حزب الله، في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) وعلى رأسها الوحدة 8200، التي وفّرت المعلومات التي أتاحت لإسرائيل استهداف مصنع الصواريخ السرّي لحزب الله وإيران في سوريا، قبل نحو شهر. كما وفّرت الوحدة معظم المعلومات التي تتيح تحركات سلاح الجو. وسمحت الموارد الهائلة المستثمرة لضباط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الذين اطّلعوا على المعلومات الحساسة، بتطوير خبرة كبيرة حيال الأهداف الرئيسية، أي قادة حزب الله”.
واشارت الصحيفة العبرية إلى أن “عمليات تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، وُلدت من إدراك أنّ الحذر الشديد الذي يتخذه حزب الله مع وسائل الاتصال الخلوية، دفع التنظيم للانتقال التدريجي إلى استخدام وسائل اتصال أخرى. إن مجرد الحصول على هذه المعلومات الاستخبارية، وهي حساسة للغاية، بمثابة نجاح كبير.. وإذا كانت إسرائيل بالفعل وراء هذه العمليات، يمكن الافتراض أنها نُفّذت بالتعاون الوثيق بين أجهزة الاستخبارات. ومن المؤكد أنه هذه الجهات الاستخبارية أنشأت أنظمة كمبيوتر مشتركة تسمح بدمج الكثير من المعلومات بطريقة يمكن لجميع المنظمات ذات الصلة الوصول إليها وقراءتها وتحليلها”.
وسألت الصحيفة: “إذا كان الموساد وراء هذه العمليات، فكيف تمكّن من نقل ما بين 6000 إلى 7000 جهاز مفخخ إلى حزب الله؟ سيخبرنا الوقت، وربما أيضًا الأفلام المبنية على قصة واقعية”.
ونقلت الصحيفة، عن مصادر إسرائيلية قولها إن “كل ذلك كان مخفياً عن أعين نصر الله، الذي كان يرفع سقف الرهان كل يوم خلال العام الماضي ومن خلفه الإيرانيون، وحتى عندما زادت إسرائيل التصعيد، رأى نصر الله في ذلك أمراً محسوباً ومتوقعاً. المراقبة اللصيقة لكبار مسؤولي حزب الله خلقت معرفة عميقة بهم، ووفّرت الكثير من المعلومات عن الخطط التفصيلية لرئيس أركان حزب الله، فؤاد شكر، مع إيران وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين لعملية طويلة المدى، من شأنها أن تؤدي إلى تدمير دولة إسرائيل، ومن هذا الفهم (الإسرائيلي) ولد قرار قتله.. وفي شهر أغسطس/ آب الماضي اغتال سلاح الجو الاسرائيلي شكر، ولم تسعفه وحراسه، الإجراءات الأمنية المشددة، أثناء محاولتهم تضليل متتبّعين محتملين”.
وزعمت “يديعوت أحرنوت” أن نصر الله “لم يقل الحقيقة بشأن رد حزب الله على اغتيال شكر، وهو ما دفع إسرائيل للاعتقاد أنه خائف من حرب واسعة، ودفعها إلى التصعيد: قررت إيران احتواء ذلك الحدث، وكذلك اغتيال إسماعيل هنية. ورد نصر الله، ولكن عندما قطعت الضربة الجوية الاستباقية الرد، ادّعى نصر الله أنه نجح في ضرب أهداف استراتيجية في إسرائيل.. هذا الادعاء أقنع عدداً من كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية بأن نصر الله يخشى المواجهة مثل إسرائيل، وربما لن يدرك أنه في مواجهة كاملة إلا بعد فوات الأوان بالنسبة له.
إلى حد ما، كانت غطرسة الأمين العام (وفق التعبير الإسرائيلي)، مشابهة إلى حد كبير لتلك التي أظهرها عشية حرب لبنان الثانية (العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006)، باستثناء أن إسرائيل كانت هذه المرة أكثر استعداداً بكثير. وعلى النقيض من غزة، فهذه حرب استعدت لها، وأعدّت لها الكثير من (المفاجآت)، كما أنها قادرة على إدارتها دون خوف من المساس بالمختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة) الذين قد يشكلون دروعاً بشرية لقادة العدو”.
وتباعت الصحيفة: “جاء شروع إسرائيل بحرب واسعة ضد حزب الله، اعتقاداً منها أنه يمكن إجباره على تسليم سلاحه من دون إنهاء العدوان على غزة في الجنوب، بتشجيع ودفع، وأحياناً بمبادرة من كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، بما فيها العسكرية. لقد اعتقدوا منذ زمن طويل أنه يجب الشروع في حرب ضد حزب الله، ويعتقدون اليوم أنه ينبغي استغلال حالة الضعف والارتباك التي يعاني منها التنظيم لتوجيه ضربة حاسمة له. وظهر في قيادة شعبة الاستخبارات العسكرية من يرى أن إسرائيل لديها المعلومات المطلوبة من أجل تنفيذ الضربات بنجاح، والتصدي لانتقام إيران وحزب الله”.
وكشفت الصحيفة العبرية أن وزير الحرب يوآف غالانت “طرح في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على طاولة الكابنيت خيار اغتيال نصر الله، لكن نتنياهو قال إن الرئيس الأميركي جو بايدن يضغط عليه لعدم القيام بذلك، فيما ذكر مسؤولون أميركيون أن تسلسل الأمور معكوس، ونتنياهو هو من طلب من بايدن الاتصال للضغط عليه. هو لم يرغب بهذه العملية (في حينه). وطوال العام الماضي فضّل نتنياهو التركيز على استمرار الحرب في غزة وعارض التوجّه إلى الشمال، لكن تحوّل موقفه كان مصادفة، إذ كان على نتنياهو اتخاذ قرار بشأن تفجير أجهزة البيجر، بعد تقارير بأنّ حزب الله كان على وشك كشفها”.
وتابعت الصحيفة أنه “في المناقشات الإسرائيلية التي جرت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قيل عدة مرات إن كانت إسرائيل جدية في نيتها اتخاذ خطوات حقيقية لإعادة سكان الشمال، فإن هذا يشمل تصعيداً تدريجياً، يتضمّن اغتيال قياديين كبار، ومن ثم استهداف مشروع الصواريخ المخبأة في منازل داخل القرى، ومن ثم اغتيال نصر الله وبعده تدمير مخازن الأسلحة في الضاحية الجنوبية، وخاصة الصواريخ التي تشكّل تهديداً مباشراً على منصات الغاز”.
وكشفت الصحيفة أنه يوم الثلاثاء الماضي، التقى نتنياهو بمسؤول استخباري كبير في إحدى قواعد “أمان”، وأوضح له أن اغتيال نصر الله قد يصبح “أكثر صعوبة” في الفترة القريبة في حال تم إرجاؤه. وانطلاقاً من هذا الفهم، ولدت موافقة غالانت ونتنياهو على استهداف نصر الله.