| رندلى جبور |
ورحل جورج قرم… ذاك الذي كان نظيفاً في بيئة معظمها من الشياطين، فكانت نظافته فعل جهاد.
كان شريفاً وسط منظومة من الفاسدين، فكان شرفه فعل مقاومة.
كان آدمياً في فضاء “الزعران”، فكانت آدميته فعل نضال.
كان صاحب فكر في مكان يعتبر الفكر ترفاً ومحط تسخيف، فبات بفكره وكأنه آتٍ من عالم آخر.
هو قدّم من ذاته لهذا الوطن، حين كان كثيرون يقدّمون الوطن لذواتهم
دخل “جنّة المنظومة”، وكانت له الفرصة أن يفقد “عذريته الانسانية” والقيمية والوطنية، ولكنه لم يفعل وبقي نظيفاً وشريفاً وآدمياً وصاحب فكر ومناضلاً.
جورج قرم هو القانوني الذي لم يتحايل على القانون، ولم يجعله على قياسه. وهو الدستوري الذي لم يتلاعب بخيطان النص ليصنعه ثوباً على هواه السياسي أو الطائفي. وهو الذي أحيط بخزنات المصارف والمالية، ولم يمدّ يده يوماً على مالها ومال الناس. وهو وزير المال الذي لم تفسده السلطة، والكاتب المملوء بالرؤية، والفكر الاقتصادي والاجتماعي المولود من رحم وجع الناس، ومن الحلم بوطن سليم ومتين.
جورج قرم الآتي من المشرقية والذاهب دوماً الى المستقبل، الذي جعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار، والذي ترك لنا حيّزاً من الأحلام رغم سواد ليلنا اللبناني، الطالع من معجن فكري، والصانع لنفسه هوية صافية. ذاك الذي لم يقل أحدهم يوماً “لو” على أدائه.
لم نستثمر به بما يكفي ويفيد، تماماً كما نفعل بكل الأقوياء والشرفاء وأصحاب القضية الذين نرجمهم بالحجارة بدلاً من الاستفادة منهم، ونشيطنهم بدلاً من أن نقول لهم شكراً.
في رحيل جورج قرم، نضع وسام حب على صدر لا طائفيته ولا فساده. ونَعِده، كما هو، أن لا نقف أمام “الدولة الحاجز”، وأن نتحدى الفساد والطائفية، ولو كنا نرمي نفسنا في أتون نار، حين نفضّل ـ مثله ـ الآمال على المال، والفكر على الانتساب إلى فساد، والكتابة الجادة على الثرثرة، والقضية على الواقعية السياسية.
جورج قرم انتقل في يوم انتقال السيدة العذراء، في توقيت له معنى، والرحمة لروحه نفترضها مضمونة.. أما الرحمة المطلوبة، فهي للأحياء منا برحيل الأنقياء.