| خاص “الجريدة” |
أسئلة كثيرة حول طريقة اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” الشهيد إسماعيل هنية، والآلية، والوسيلة، والقاعدة التي انطلقت منها للتنفيذ، والتوقيت، والمكان، وحجم الاختراق الإسرائيلي.. وطبيعة الردّ.
مسلسل الأسئلة قد لا ينتهي، حتى ما بعد “الثأر” الإيراني من “الإهانة” العميقة للنظام فيها، السياسي والأمني، وأياً تكن الصيغة التي حصلت فيها عملية الاغتيال.
قد تنجح الجهود المبذولة على جميع المستويات في إيران، بتفكيك بعض “ألغاز” عملية الاغتيال، لكن، بالتأكيد، هناك سقوف تغطي تلك العملية، وأبعادها، واستهدافاتها، ورموزها، و”شيفرتها” السرية التي يبدو أن أميركا قدّمتها على “طبق من دم” إلى “إسرائيل”، ونظّمت عملية تضليل كبيرة حول “ضبط التصعيد في الشرق الأوسط”، للسماح بتسلّل “إسرائيل” إلى قلب طهران، وإلى قلب الضاحية الجنوبية في لبنان.
مارست أميركا، على مدى 10 أشهر، لعبة “القفز على الحبال” بين تغطية جرائم نتنياهو وتشجيعه على مواصلة العدوان على غزة، وبين “الحرص” الوهمي والنظري على “وقف إطلاق النار”، واستمرت بضخّ السلاح إلى كيان الاحتلال ليرتكب مجازره، وفي المقابل كانت تهدئ العالم والمسلمين والعرب بأنها تعمل على “وقف إطلاق النار”، لكنها تمنع مجلس الأمن الدولي من قرار يوقف حمّام الدم.
لم تكتفِ أميركا بـ”التصفيق الحار” لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت سقف “ديمقراطيتها”، بل “قدّمت” له “هدايا” قبل عودته إلى كيان الاحتلال، بأختام الدم، ما يسمح له بتنفيذ أكبر عمليتي اغتيال، وفي قلب وعقل محور المقاومة، الضاحية الجنوبية وطهران، ويبدو أن تلك “الهدايا” كانت “مزيّنة” بأيدٍ عربية!
كل هذه الاستنتاجات، هي اليوم على طاولة التدقيق بتفاصيلها، وسيكون هناك ما يُقال فيها، وما لا يُقال، لكن التاريخ سيقول، وسيفكك الألغاز والأسرار التي أحاطت بهذه المرحلة.
فقد حملت الروايات، المنشورة في وسائل الإعلام، حول اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” الشهيد إسماعيل هنية، 5 سيناريوهات لكيفية تنفيذ عملية الإغتيال، وهي، بتفاصيلها، واحتمالاتها، وجغرافيتها، تشكّل جميعاً اختراقاً إسرائيلياً خطيراً لإيران على المستوى الأمني، خصوصاً أن إيران حرصت على إجراءات أمنية استثنائية في المرافقة والحماية للشهيد هنية، بما في ذلك وجود قوات من الأمن الرئاسي “أنصار المهدي” واستخبارات “الحرس الثوري”، وهو ما فتح تحقيقات مكثّفة على كل المستويات في الدولة، القضائية والأمنية والإدارية والاستخباراتية، لأن حجم الاختراق يوحي بأنه كبير ودقيق وخطير. كما وتشكّل أيضاً “إهانة” كبيرة للجمهورية الإسلامية التي استهدف “ضيفها” على أرضها، وهذه نقطة مهمة أشار إليها بوضوح شديد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، لأنه كان بإمكان “إسرائيل” اغتيال هنية في مصر أو لبنان أو قطر أو تركيا، إلا أن “إسرائيل” تعمّدت تنفيذ عملية الاغتيال في طهران تحديداً، لتوجيه رسائل عالية التصعيد ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك لإحراج إيران أمام حلفائها بأنها ليست مكاناً آمناً، فضلاً عن زرع بذور الشقاق بين “محور المقاومة”، وخصوصاً بين جناحيها السني والشيعي.
دفعت هذه التحليلات إيران إلى وضع كل ثقلها لحسم التكهنات حول كيفية تنفيذ عملية الاغتيال، وجمع خيوط الجريمة بهدف وضع الرواية الحقيقية لعملية الاغتيال، خصوصاً في ظل التسريبات الإسرائيلية المتعمّدة التي نشرتها عبر وسائل الإعلام، والتي ساهمت في ضبابية كبيرة حول طريقة تنفيذ الاغتيال، وفي إحراج إيران وإرباكها. كما أن إيران تريد معرفة كيفية عمل خلايا عملاء “إسرائيل” على أرضها، والتي نجحت في الماضي باغتيال العديد من العلماء الإيرانيين.
أدرك المسؤولون الإيرانيون أن التقارير التي نشرت حول عملية الاغتيال، نجحت في التشويش على الرواية الحقيقية، وأخضعت جميع السيناريوهات المسرّبة عبر الإعلام، أو تلك المحتملة، للدرس والتمحيص وكشف جوانبها، خصوصاً أن وسائل إعلام إيرانية ساهمت في نشر بعض تلك السيناريوهات والتي تتالت بعد ساعات على عملية الاغتيال، كما يلي:
السيناريو الأول، أوردته معظم وسائل الإعلام بعد ساعات من عملية الاغتيال، بأن الهجوم تم عبر الجو، عبر طائرة مسيّرة، كما أشار الإيرانيون، أو من طائرة حربية أطلقته من أجواء العراق أو سوريا أو أذربيجان.
السيناريو الثاني نشره موقع “سبوتنيك” الروسي الذي نقل عن صحافي لبناني ـ بلجيكي أن “إسرائيل” ثبتت برنامج تجسس على هاتف هنية من خلال رسالة “واتس آب”، مما مكنها من تحديد الموقع الدقيق للمنزل وشن هجوم صاروخي عبر طائرة صغيرة بدون طيار قصفت غرفة هنية مباشرة في الساعة الثانية إلا ربع صباحاً. ويحمّل التقرير، بشكل غير مباشر، أمن حركة “حماس” وزعيمها مسؤولية اختراق جهازه الجوّال، و”خطّ هاتفه”.
السيناريو الثالث نشرته قناة “سكاي نيوز” بالعربية، والتي تبثّ من دولة الإمارات، وهناك تحفظات كثيرة عليها بسبب طريقة مواكبتها للعدوان الإسرائيلي على غزة دفع لاتهامها بالعمل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. ونسبت القناة إلى ما قالت إنها “مصادر إيرانية” بأن المبنى الذي كان يقيم فيه زعيم حركة “حماس” تعرّض لهجوم من مبنى مجاور.
السيناريو الرابع أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية وصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية المقربة من “الموساد” الإسرائيلي، ونقلاً عن “هيئة البث” التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عن عدة “مصادر” إيرانية وأميركية وإسرائيلية، يقول إن اغتيال الشهيد هنية تم باستخدام عبوة تفجير تم زرعها قبل أسابيع في مجمع “الحرس الثوري” الذي كان يقيم فيه، وهذا السيناريو يعتبر الأغرب والأخطر، لأنه يعني أن الاستخبارات الإسرائيلية عرفت بمكان استضافة هنية قبل أسابيع من حصوله.
السيناريو الخامس أوردته قناة “العربية” التي نقلت عن صحافي إسرائيلي، نقل بدوره عن “مصادر مطلعة”، بأن الهجوم تم بصاروخ أطلق من غواصة إسرائيلية كانت موجودة في المياه الإقليمية الإيرانية.
كل هذه السيناريوهات، وغيرها من الاحتمالات، خضعت للفحص والتدقيق في إيران، وعلى مختلف المستويات، لكنها في الوقت نفسه تعني أن “إسرائيل” تحاول إخفاء الوقائع الحقيقية في عملية الاغتيال، إما للاستمرار في إخفاء شبكاتها وخلاياها وطريقة عملها في إيران، أو ربما لـ”عدم إحراج” حلفائها من الدول المحيطة بإيران، والتي قد تكون العملية انطلقت منها، أو لأسباب عديدة في جدول أعمال “الموساد” الإسرائيلي.