ra3i

قلق على الميثاقية ومن الأعاصير: بكركي إلى المحراب العربي

/ جورج علم /

حمل البطريرك بشارة الراعي الهوية الميثاقيّة الى مصر ليشرح عللها، وأعراضها.

المرض مزمن في الطائفة المارونيّة، فيما المريض هو الطائفة السنيّة، بعد عوارض العزوف، والفراغات الكبيرة في الصفوف الأولى لمدرّج الإنتخابات.

هواجس الهوية عند الذي أُعطي له مجد لبنان لا تتعلق بخصوصية نادي رؤساء الحكومات السابقين. ولا بما جرى ويجري داخل مطبخه السياسي، هذا شأن ملك رواده، بل بالتداعيات الوطنية في ظلّ كمّ كبير من الأسئلة المسوّرة بأكثر من علامات إستفهام، ومتصلة بأخرى تتعلق بالمحيط العربي، والشرق الأوسطي، ومستقبل الحريات، والحضارات.

كان إصرار ألاّ يُخلي الرئيس سعد الحريري الساحة، لكنه فعل. وكان إصرار على ألاّ يُخلي تياره العريض، ولكنه فعل من دون مقدمات، وايضا من دون مبررات مقنعة. وكان أصرار ألاّ يحذو حذوه رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي بالإضافة إلى الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، ولكنهم فعلوا. ولم يعد مهماً السبب، بل النتيجة.

وماذا بعد؟.. وأي معنى للإنتخابات، عندما تكون الصفوف الأمامية في الطائفة السنية فارغة من رموزها؟ وما الجدوى من إنتخابات تكون فيها الصفوف الأمامية عند الموارنة فارغة من الرواد الأوادم، كما كانت الحال زمن جان عبيد، ونسيب لحود، وميشال إده، وريمون إده، وغيرهم، وغيرهم.. حيث يتصدر المشهد الآن بعض من لا يزال على قميصه بقع من دم، وقد شارك حضوراً، وأداء، على مدى عقود، في جميع فصول هذه “التراجيديا” التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم؟!

لقد تدرّج الإهتمام بهذا الإستحقاق من قمّة الحماس، الى حضيض الأمر الواقع.

كانت بكركي، ولا تزال، مع الإنتخابات إحتراما للدستور. وكوسيلة عمليّة ديمقراطيّة لتحقيق طموحات الشباب في التغيير.

وكانت، ولا تزال مع حتميّة إجرائها رغم كل العوائق، والمنغّصات، وتراجع فرص التغيير، لأن تاجيلها يعني نجاح الإنقلاب على الطائف، والقضاء على ما تبقى من هيبة دستور، ونظام، ومؤسسات.

وليس الهاجس الإنتخابي وحده من يقلق الهوية الميثاقية، ويحاول النيل من مكانتها. بل هناك مخاوف جديّة من أعاصير مدمّرة بدأت تتكون غيومها الداكنة في الأفق، منها:

  • الخلاف المستحكم بين اللبنانيين حول كل الملفات، كبيرها، وصغيرها.. وليس من إجماع على معالجة أي ملف، إلاّ بعد إقتسام “جبنته” بالتساوي، والتراضي.
  • إنقسام حول كيفيّة إدارة شؤون الدولة، والمؤسسات… ينادون بفصل السلطات، ويعملون على الإطاحة “بإستقلالياتها”، وتقويضها، وتجريدها من صلاحياتها…
  • إنقسام حول الكهرباء… منذ العام 2000، ولغاية الآن، هناك 16 خطة إصلاح كهربائيّة، وضعتها الحكومات المتعاقبة، وأنفقت عليها المليارات من الدولارات.. وحتى الآن لا كهرباء.. ولا خطة قابلة للتنفيذ!
  • منذ العام 2010، بدأ الحديث مع السفيرة الأميركيّة مورا كونيللي، حول ترسيم الحدود المائية مع فلسطين المحتلة. وتوالى على إدارة هذا الملف من الجانب الأميركي، كلّ من فريدريك هوف (2010 ـ 2012)، ثم ديفيد ساترفيلد، وديفيد هيل، وآموس هوكشتاين… وحتى الآن، وما زلنا لا نعرف ماذا نريد؟ حتى الإجتماع الأخير الذي عقد بين الرؤساء الثلاثة، في بعبدا، قد أعاد الأمور الى المربع الأول…
  • إنعدام الثقة الدوليّة بغالبية الطبقة الممسكة برقاب المواطنين تحت شعار تمثيلهم في المؤسسات الرسميّة، والعمل لخدمتهم، وصلاح أمرهم، وضمان مصالحهم!
  • الخلاف المستحكم حول أي لبنان نريد؟ بين من يريده حياديّاً، ومن يريده مقطوراً بقاطرة إقليميّة!

وفي ظلّ زمن “الجوائح” المتناسلة، من “الربيع العربي” إلى “الربيع الإرهابي”، إلى “الربيع الكوروني” إلى “الخريف الثوري اللبناني”، إلى انفجار مرفأ بيروت.. تقاطرت النوائب، وتلاحقت المصائب، والتداعيات المؤلمة، التي هزّت الكيان، وزعزت ثوابته، وهتكت مفاصله المالية، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة…وآخر هذه المصائب، كان التخلي العربي…

يزور البطريرك مصر بحثاً عن ظهير عربي داعم، ومنقذ لشقيق صغير يعاني من سكرات الموت. هناك مبادرة عربيّة على الطاولة، لكنها مشروطة، وبعض شروطها غير قابل للتطبيق راهناً، ولو كان الأمر ممكناً لكان لبنان في حال أفضل، وبغنى عن استجداء عطف، أو مساعدة.

ما يعمل عليه حاليّاً هو تحرير المبادرة من شروطها التعجيزيّة، وتحويلها الى مبادرة إنقاذيّة عربيّة جديّة تحظى بمساندة دوليّة، ورعاية أمميّة.

وما يعزّز من قناعة بكركي في طرق الباب العربي، دوافع ثلاثة طارئة:

الأول، انشغال الدول الصديقة بهمومها الأمنيّة ـ الغذائيّة ـ المعيشيّة، بعد العقوبات الدوليّة غير المسبوقة على روسيا، ردّاً على عمليتها العسكريّة في أوكرانيا، وارتفاع أسعار المحروقات، وما يترك ذلك من إنعكاسات سلبية على المصانع، والصناعة، وعلى السلّة الغذائية للمواطن، وارتفاع أسعار العديد من المواد الإستهلاكيّة.

الثاني، الاتفاق النووي الإيراني، والأثر الكبير الذي سيتركه على لبنان، ودول المنطقة، سواء عادت طهران من فيينا ومعها ما تريده… أو عادت خالية الوفاض، وقد تركته نسياً منسيّاً في أدراج الانتظار، أو النسيان!

الثالث، انشغال العالم العربي، بمعظم دوله، في نقل بندقية التحالف من الكتف الأميركيّة الى الكتف الروسيّة ـ الصينيّة… وهذا يحتاج إلى بحث معمّق، ودراسة علميّة مدققة بأرقام وإثباتات…