ما بين التمديد لـ”اليونيفيل”.. والترتيبات الأمنيّة

| جورج علم |

تجتهد حكومة تصريف الأعمال للحفاظ على القوات الدوليّة العاملة في الجنوب “اليونيفيل”، والتجديد لمهامها نهاية الشهر المقبل من دون شروط، أو إلتزامات جديدة.

– هل ما تريده.. ممكن؟

• لا يبدو الأمر كذلك. وعلى لبنان الرسمي أن يتهيأ لمعركة دبلوماسيّة شرسة في مجلس الأمن الدولي تحضّر لها “إسرائيل”، منذ الآن، مدعومة من الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي.

في الشكل، تقدّمت وزارة الخارجيّة والمغتربين بطلب رسمي إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وقام الوزير عبدالله بوحبيب بمحاولة “جسّ نبض” شملت العديد من عواصم دول القرار، بغية توفير الدعم، والمؤازرة. وتحرص البعثة اللبنانيّة الدائمة لدى المنظمة الدوليّة على رصد كل جديد يتصل بهذا الإستحقاق. ويقول دبلوماسيّ متابع: “حتى الآن قمنا بما يتوجب علينا القيام به، المهم ألاّ يتوجب القيام بما يُفرض علينا القيام به!”.

في المضمون، التجديد أمام منعطفات…

أولها محلي ـ الجنوب ليس بكنف الدولة اللبنانية، بل بكنف “حزب الله”. والحقيقة هذه يعرفها العالم بمشارقه، ومغاربه، ولا يمكن تجميلها، أو طلسها بالمساحيق. ودور الدولة معنوي أكثر مما هو عملي، والقرار عند من يمسك بزمام الأمور، لا عند من يتوسّل الدور.

والجنوب اليوم مسرح إقليمي مشتعل. و”جبهة مساندة لغزّة”، وصندوق بريد لتبليغ رسائل محوريّة، وأرض مصادرة لخدمة أغراض ومصالح جهويّة، فئويّة، أبعد ما تكون عن مصلحة الوطن الجامع. والكتاب اللبناني الرسمي المرسل إلى الأمم المتحدة، يتجاهل هذه الحقائق. ولأنه يتجاهل، فإن عواصم القرار تتجاهله، ولا تأخذ منه سوى العلم والخبر، وهي تنظر إلى التجديد من زوايا معرفتها بالحقائق، ومصالحها، ومصالح “القبعات الزرق” التي انتدبت كقوّة أمميّة منذ شهر آب 2006، لتنفيذ القرار 1701، فبقيت هي، وبقي القرار من دون تنفيذ!

والمنعطف الثاني إقليمي ـ لا يكفي القول “عندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، يتوقف إطلاق النار في الجنوب”.

الحقيقة ليست كذلك. وقف إطلاق النار لا يكون من جانب واحد. وإذا كان “الحزب” يريد حقاً وقفاً لإطلاق النار، فذلك لا يتمّ إلاّ إذا وافقت “إسرائيل”، وهذه تتحدث عن ترتيبات أمنيّة، رفضها “الحزب” لأنها تتعارض مع الدور المسند إليه، والمهمة المكلّف الإضطلاع بها. وبالتالي أي بحث يتناول التجديد “لليونيفيل” سيمر حتما بكل هذه الحقائق عند إتخاذ القرار.

المنعطف الثالث دولي ـ عندما زار المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين باريس، والتقى نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، بحثا بكل الأوراق، وسائر التفاصيل المتصلة بالجنوب، وبات واضحاً لكليهما بأن طلب لبنان الرسمي التجديد للطوارىء لا يمكن أن يمرّ بمعزل عن الدعوات الراميّة إلى وقف لإطلاق النار، والضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لعدم التصعيد، والقفز نحو حرب شاملة تعيد لبنان إلى “العصر الحجري”. وكان تفاهم بينهما حول أن أي تجديد سيحصل لقوات “اليونيفيل” سيمر حكماً بالمبادرات المطروحة، والتي يشكّل القرار الأممي 1701 محورها المطلق.

وكان الجانب الأميركي واضحاً في مقاربته للرسالة اللبنانية إلى نيويورك، وقد أبلغ من “يهمّهم الأمر” ما مفاده أن الدول التي تحترم نفسها، تحترم قراراتها، وأن الموفد الرئاسي الأميركي طرح مبادرة لليوم التالي في الجنوب قائمة على مراحل ثلاثة، وإن أي بحث في أيّ تجديد لمهام “القبعات الزرق”، يجب أن يمرّ حتماً، وتلقائياً، بأصول وفروع المبادرة، ويكون عاملاً مساعداً ومسهّلاً لوضع كامل مندرجاتها موضع التنفيذ.

وبناء على ما تقدم، لا يمكن للدبلوماسيّة اللبنانيّة أن تكتفي بالقول “أدينا قسطنا للعلى”، ولا لحكومة تصريف الأعمال أن ترتاح على فراش الإنتظار. هناك ورقة فرنسيّة حملها وزير الخارجيّة ستيفان سيجورنيه إلى بيروت، ودرسها المعنيّون بالأمر، وردوّا بتعديل، وتعليل، لكن الحكومة الفرنسيّة لم تأخذ بالرد اللبناني لعلمها بأن ما كتب في بيروت، قد كتب بحبر لبناني، لكن بنصّ إقليميّ واضح المآرب والمطالب.

وهناك ورقة أميركيّة حملها هوكشتاين لتهدئة الوضع في الجنوب، تنطلق من وقف لإطلاق النار، إلى إعادة النازحين إلى منازلهم على طرفي الحدود، مع تعزيز لدور الجيش، عديداً وعدّة، وإنتشاراً مع قوات “اليونيفيل”. على أن تكون المرحلة الثانيّة إقتصاديّة تنطلق ببناء ما تهدم من منازل، ومنشآت، ومؤسسات، على أن تتوسع لإعادة تحسين البنى التحتيّة إنطلاقاً من الإنارة، وزيادة منسوب التيار الكهربائي. وتشمل المرحلة الثالثة مفاوضات تؤدي إلى تفاهمات، بينها ترسيم الحدود البريّة، والإنسحاب من النقاط المحتلة.

والمتداول أميركيّاً بأن الجواب اللبناني كان بعهدة الرئيس نبيه برّي بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي. وجواب برّي كان بالتنسيق والتفاهم مع “حزب الله”، و”حزب الله” كان بالتنسيق والتفاهم مع مرجعيته الإقليميّة، قبل أن يزيل الشك باليقين، ويعلن: “عندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، يتوقف إطلاق النار في الجنوب”، أي بتعبير آخر، لا مكان عنده لمبادرة هوكشتاين.. أقله لغاية الآن!

وبعد التطورات الأخيرة في المشهد السياسي الفرنسي، إثر الإنتخابات النيابيّة، وبعد التطورات الأخيرة في المشهد الإنتخابي الأميركي، والتنافس الحاد نحو البيت الأبيض ما بين الديمقراطيّين والجمهوريّين، وصلت إلى بيروت معلومات تؤكّد:

• التمديد لـ”اليونيفيل” سيتم في أواخر آب.
• من صلب مهمّتها تنفيذ الترتيبات الأمنيّة، ومحورها القرار 1701.
• الترتيبات الأمنيّة هي تلك الواردة في الورقة الفرنسيّة، ومبادرة هوكشتاين المثلّثة الأضلع.. وكل كلام آخر خارج هذا السياق، غاياته تفتيتيّة.. وربما تغيير الخرائط!…

error: Content is protected !!