الغاز المصري و”التيار” الأردني و”الشرطي” الروسي.. والتخبّط اللبناني!

/ جورج علم /

ثمن الإعتذار كان مكلفا جدّاً، لا يكفي فرك الأيدي، وتنميق العبارت. السياسة الخارجيّة ليست عروضاً بهلوانيّة، ولا شطارة في تبديل المواقف، والأدوار. نريد من روسيا القمح، والغاز، إذا أمكن. ونريد منها المساعدة على عودة النازحين الى بلادهم، ونريد منها دعم لبنان في المحافل الدوليّة. ونريد بالمقابل… التصويت في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لجانب القرار الأميركي الداعي الى إدانتها، وإنزال أشد العقوبات بحقّها!

إنها الشطارة، لا بل فن الإبداع اللبناني في الرقص على حبال التناقضات…

نائب وزير الخارجيّة ميخائيل بوغدانوف يعرف تماماً ما عندنا. أمل أبو زيد “يوشوش” في أذنه حول الخفايا التي حبكت الموقف اللبناني، وعبدالله بو حبيب “يريد أن يردّ السهام بصدره”، وفي الخارجية ثمة من يقول: حمى الله لبنان  من شطارة “الأبوين” ـ بو غدانوف وبو حبيب!

السفير الكسندر روداكوف، الخبير بـ”الشؤون المحليّة”، لم يتجاهل ما حصل، لكنه لم ينزع القفازات الحريرية. زار وزارة الخارجيّة، وتحدث عن “أمور معيّنة ناقشناها في إطار العلاقات الثنائيّة القائمة بين روسيا، والجمهوريّة اللبنانية”.

ما هي هذه “الأمور المعيّنة”؟

إنها كثيرة.. تكفي واحدة لتسليط الضوء. عندما أعلن حزب الله استعداده إستيراد المازوت الإيراني، سارعت السفيرة الأميركية الى تقديم عرض بديل: “غاز من مصر، كهرباء من الأردن، وعبر الأراضي السورية، وبتمويل من البنك الدولي”. حصل ذلك في تموز الماضي، وبدأت الإتصالات، والإجتماعات، وتمّ التوقيع على إتفاقيات… وحتى الآن “عالوعد  يا  كمون”؟!

وزير الطاقة اللبناني يقول إن البنك الدولي لم يوافق بعد على التمويل. مصر تقول بانها لم تحصل بعد على رسالة خطيّة من الولايات المتحدة تؤكد حماية إمداداتها من عقوبات “قانون قيصر”… والأردن في موقع الإنتظار!

مع تفاقم الأزمة في أوكرانيا، وفرض العقوبات على روسيا، وارتفاع اسعار النفط، ومعها أسعار السلع الإستهلاكيّة، هبّ الحماس اللبناني الى الغاز المصري، و”التيار” الأردني، للتعويض عن النقص، وحماية الخزينة من أعباء إضافيّة. لكن ما لم يكن بالحسبان أن عاملاً جديداً قد طرأ، وأثار قلق المسؤولين نتيجة الموقف المندد بالعملية العسكريّة. كون روسيا في سوريا، وتستطيع ـ إن شاءت ـ أن تمنع وصول الغاز والنفط، وتصيب عصفورين بحجر واحد: الولايات المتحدة راعية المشروع، ولبنان “المشاغب”!

هل تمكنت “الوشوشات”، من إقناع بوغدانوف بعدم الإعتراض؟

لا جواب حاسماً بعد. والمتوافر يلخّص بالآتي: ” في االوقت المناسب.. يقال الكلام المناسب”، ولا شيء يغري موسكو “للتوقيع على بياض”…

الدول ليست بجمعيات خيريّة. ومصالحها فوق أي إعتبار. وما يلفت الإنتباه، الموقف الروسي المستجد في فيينا. لقد قدّم الوفد المفاوض المزيد من الدعم لنطيره الإيراني، كي يتمكن من إنتزاع اتفاق يحقق مكاسب من الغرب الأميركي ـ الأوروبي. لكن عندما إقتربت المواعيد  المؤاتية للتوقيع، وقف رئيس الوفد الروسي، وفجّر قنبلة من “العيار الثقيل”: “لا يمكن للولايات المتحدة أن ترفع العقوبات عن طهران.. وتفرضها على علاقات موسكو بطهران.. نحن نريد ضمانات أميركيّة خطيّة أيضا”!

بدوره أعلن وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، لنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يوم الأثنين الماضي: “إن إحياء الإتفاق النووي الإيراني يجب أن يسمح للمشاركين بالتعاون من دون عوائق، في جميع المجالات، دون تمييز”.

وقالت وزارة الخارجيّة الروسيّة: “تمّ التأكيد على أن إحياء خطة العمل المشتركة يجب أن توفر لجميع المشاركين حقوقاً متساوية في ما يتعلّق بتطوير التعاون، من دون عوائق، في جميع المجالات، دون أيّ تمييز”.

بعد التداعيات المدمّرة التي نشأت على ضفاف “الأزمة الروسيّة ـ الأوكرانيّة”، هل أصبح إتفاق فيينا في خبر كان؟

الجواب رهن الأيام المقبلة.. لكن ماذا عن لبنان؟

يقول دبلوماسي عربي: “وضعكم صعب، ويدعو للحيرة… رغم العلاقة المأزومة مع لبنان، تبرعت المملكة العربيّة السعودية بـ36 مليون دولار بعد تفاهم تمّ بين وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، لدعم الشعب اللبناني عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، وما ظهر من ردود فعل اقتصر على بعض الإعلام المحلي، وبعض المواقف الشعبوية على أبواب الإنتخابات النيابيّة. وبدلاً من ان يتلقف المسؤولون المناسبة للعمل باتجاه ما من شأنه أن يدفع بالعلاقات قدماً الى الأمام،  اكتفى بعضهم بالشكر، معتقدا أنه بالشكر تدوم النعم!”.

يضيف: “أما في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، فحصل ما حصل، وبدلاً من أن يبادر المسؤولون إلى تحويل مجلس الوزراء إلى خليّة أزمة، واستدعاء جميع المسؤولين والملمين بالوضع المالي ـ الإقتصادي لوضع خطة طوارىء رؤيوية توازن بين الإمكانات، والإحتياجات… لاحظنا تعاطياً عاديّاً، وإهتماماً خجولاً، وموظفاً يطمئن اللبنانيين بأن إحتياط القمح يكفيهم لشهر ونصف… ولكن ماذا بعد إنتهاء المهلة؟ ومن بمقدوره أن يتنبأ بما يحمله الستقبل من تطورات، ومضاعفات؟”.

error: Content is protected !!