/ فاطمة ضاهر /
منذ أن انتهى التمييز العنصري رسمياً في الولايات المتحدة الأميركية، في العام 1951، شهد العالم تحولاً نحو إدانة الأنظمة والسياسات التي تعتمد التمييز العنصري بكافة أشكاله، وليس فقط لجهة لون البشرة.
كما أن أوروبا، التي خرجت من الحكم الامبراطوري وتحوّلت إلى أنظمة ديموقراطية، حاربت العنصرية والتمييز، بمختلف أشكاله، وصولاً إلى إزالة الفوارق بين مواطنيها، والتعامل مع العالم بمختلف تلاوينه السياسية والدينية والعرقية.. ولون البشرة. وقد كانت مضطرة إلى ذلك بفعل الاستعمار الذي حكمت به دولاً كثيرة في أفريقيا وآسيا.
كانت جنوب أفريقيا آخر دولة يحكمها التمييز العنصري، إلى أن نجح نيلسون مانديلا بكسر طوق العنصرية وخرج من السجن البريطاني، وأصبح رئيساً لجنوب أفريقيا التي تضمّ أعراقاً مختلفة، ولم يثأر من الإنكليز الذين سجنوه وحكموا البلد بقوانين التمييز والعزل.
إلا أنه منذ سنوات، بدأت بعض السلوكيات الأوروبية توحي بالحنين إلى التمييز بين الأعراق، بالتزامن مع عودة العنصرية إلى الولايات المتحدة الأميركية مع انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما، ثم ظهرت بشكل حاد أيام الرئيس دونالد ترامب.
ويبدو أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد أيقظت النزعة إلى هذا التمييز العنصري، وهو ما ظهر واضحاً في التعامل مع الحرب وتداعياتها، خصوصاً في مسألة النازحين الذين هربوا من الحرب نحو الدول الأوروبية التي تعاملت معهم على قاعدة لون البشرة والعينين والأصول الإثنية.
فقد كشفت أزمة أوكرانيا عن التحيز العنصري للتغطية الغربية لها، حيث انقسم العالم، خلال الأيام الـ 8 الماضية (منذ بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا)، بين مؤيد ومعارض للعملية العسكرية الروسية، وتُرجم هذا الانقسام على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من قبل رواده.
إلّا أن ما لفت الانتباه، واستدعى الوقوف عنده، سلوك الدول المحيطة بأوكرانيا، والتي استقبلت نازحين، حيث فتحت حدودها برحابة لأصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، وأهملت أو فرضت قيوداً صارمة على النازحين من الأعراق الأخرى، العربية والأفريقية والآسيوية.
كما تُرجم هذا الإنحياز الكبير في بعض وسائل الإعلام الغربية خلال تغطية العملية العسكرية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا بطلب من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك.
وقد وصّف بعض رواد الـ”سوشيال ميديا” الإنحياز بكونه شكلاً من أشكال العنصرية الواضحة تجاه لون البشرة والعينين والجنسية والعرق وغيرها… ما أثار موجة غضب على مواقع التواصل، لم تهدأ حتى اليوم.
هذا الأمر، أشعل الغضب في نفوس الكثيرين وخاصة العرب. وكأن الحروب والموت والتشريد والتهجير أمر عادي لا يقلق إذا حدث في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنه يصبح أمرا غير معقول وغير مقبول إذا حدث لمواطنين بشعر أشقر وعيون ملونة.
وانتشرت فيديوهات على منصّة “تويتر” تُظهر العنصرية في نقل وسائل الإعلام الغربية لمشهد التهجير في أوكرانيا.
وفي ما يلي بعض هذه التعليقات والفيديوهات:
قال مراسل شبكة “سي بي أس” الأميركية تشارلي داغاتا: “هذا المكان لم يشهد، مع احترامي للعراق وأفغانستان، نزاعا لسنوات طويلة”، و”تعرفون أنه (مكان) متحضر وأوروبي بشكل نسبي، وعلي أن اختار كلماتي بعناية، مدينة لا تتوقع أو تأمل أن هذا سيحدث”.
وقال معلق في برنامج إخباري فرنسي: “نحن لا نتحدث عن اللاجئين السوريين الذين فروا من قنابل النظام السوري الذي يدعمه بوتين، بل ونتحدث عن أوروبيين خلفوا وراءهم سيارات تشبه سياراتنا لحماية حياتهم”.
وكتب المعلق البريطاني في صحيفة “ديلي تلغراف” دانيال هانان: “يبدون مثلنا، وهو ما يجعل (الأمر) صادما: فالحرب لم تعد أمرا يحدث في الدول المعدمة ولأناس بعيدين”.
وقال مراسل قناة “بي بي سي”: “ما يحدث يثير المشاعر، لأني أشاهد أشخاصاً أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر”.
https://twitter.com/achihab_lhareq/status/1498713042904924160?s=20&t=DYyP2IWQNdA24p6WlxOl5g
وقد أصدر الاتحاد الإفريقي بيانا دان فيه “المعاملة العنصرية” للدول الأوروبية ضد مواطني بلدانه المقيمين في أوكرانيا، وقال: “المعاملة غير مقبولة وتنتهك القانون الدولي”.
https://twitter.com/naserq8r/status/1498569643723661319?s=20&t=DYyP2IWQNdA24p6WlxOl5g