/ علاء حسن /
تفخر الدول والأحزاب عادة، بقدرتها على انتاج أجيال من الشباب القادر على تحمل المسؤوليات الكبيرة، لما لهم من قدرة على خلق الأفكار الإبداعية التي تحاكي المتغيرات المتسارعة، ولما لهم من همة عالية، واندفاع في انجاز الأعمال وتحقيق الأهداف.
وفي هذا السياق يؤخذ على حزب الله ـ في بعض الإعلام ـ أنه يحتفظ بالجيل القديم، رغم أن غالبيتهم قد تجاوز الخمسين والستين عاماً، ولا يقوم بإجراء تغييرات جوهرية في قياداته ونوابه، على غرار الأحزاب الأخرى التي سعت في السنوات الأخيرة إلى إدخال جيل الشباب إلى الصفوف القيادية، تلبية لرغبة الناس في مشاهدة وجوه جديدة، وقد ملّت الوجوه القديمة.
إلا أن في الأمر عدداً من الإشكاليات التي يعيها الحزب جيداً، ويعمل وفق رؤية إدارية وسياسية واضحة، تحتم عليه الإبقاء على الوضع الراهن، مع إدخال بعض الوجوه الجديدة بين الحين والآخر.
فالحزب، وكما عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة، وفي معرض إعلانه عن أسماء المرشحين للانتخابات النيابية ضمن كتلة الوفاء للمقاومة، شرح مفهوم تراكم الخبرة والتجربة لدى الأشخاص، والتي لا يمكن وضعها جانباً. وفي هذا السياق يبرز عدد من المفاهيم التي يعمل الحزب وفقها، وقد تشكل حالة فرادة لديه، وهي:
أولاً ـ أن النائب عن حزب الله لا يمثل نفسه، رغم أن النائب، وفق القانون اللبناني، يكون بشخصه مسؤولاً في مهماته ودوره، ويكون نائباً عن الأمة وليس عن ناخبيه فحسب. لكن حزب الله يمتلك رؤية مؤسساتية، تحتم على نوابه أن يحملوا برنامج الحزب السياسي والاقتصادي والانمائي إلى الندوة البرلمانية، دون أن يعني ذلك عدم مشاركتهم في صياغة هذه البرامج التي تُدرس وتُصاغ على أعلى المستويات في الحزب.
ثانياً ـ إن العمل النيابي بالنسبة لحزب الله هو مسؤولية وليس تشريفاً أو مكافأة، بالتالي تكمن العبرة في من يتمكن من تحمل المسؤولية، وليس لاعتبارات أخرى.
ثالثاً ـ ما لم يقله السيد نصر الله في كلمته المتلفزة، هو أنه ومنذ تعمق الحزب في العمل الحكومي، وخصوصاً بعد الخروج السوري من لبنان، وجد كمّاً من المشاكل والعلاقات المعقدة في الدولة العميقة، وتشابك المصالح الكبرى التي يرتبط بعضها بالخارج، وقد احتاج لسنوات ليتمكن من فك شيفرتها والتعامل معها. وأغلب الظن أن المقصود بالخبرة والتجربة التي تحدث عنها السيد نصر الله، مرتبط بهذا الشق من العمل النيابي، وإلّا لكان هناك الكثير من الكفاءات الشابة التي تستطيع سن القوانين ودراسة المشاريع، فيما لو كان هناك قوام لدولة سليمة.
رابعاً ـ يعي حزب الله تعقيدات الملفات الداخلية، من الزاوية السياسية وحساسية وضعه في اتخاذ المواقف، ما يحتم عليه اتخاذ اقصى درجات الحيطة، وهو ما يرغمه على الإبقاء على النواب المخضرمين لديه سياسياً وحكومياً.
لكن هناك مسألة مهمة أخرى تواجه الحزب، وهي صراعه مع الإدارة الأميركية وأدواتها الإقليمية والداخلية. فالحزب الذي يقيس خطواته الداخلية وعينه على التأثيرات الإقليمية، يُدرك أن التغييرات الكبيرة قد تعني تراجعاً أمام الحملة الكبيرة التي شُنّت عليه إثر تحركات 17 تشرين الأول 2019، ما يجعله بمصاف الأحزاب التقليدية الأخرى التي غيرت من جلدتها وانضمت إلى لائحة “الثورة” تحت عناوين أخرى، رغم بقاء منظومتها على حالها.
ولذا أراد الحزب أن يوجه رسالة متعددة الأوجه، مفادها أن التغيير “لا يفرض علينا بل نقرره عند الضرورة، وأننا باقون كما نحن، وأن جمهورنا يثق بخياراتنا واختياراتنا”، حيث يريد الحزب أن يثبت للداخل المراهن والخارج المنتظر أنه، ورغم الإبقاء على أسماء المرشحين نفسها والبرنامج نفسه والتسمية نفسها، سيكسب آراء الناس، وأن الثقة الشعبية الكبيرة التي يمتلكها، لم تتأثر جوهرياً، رغم ما جرى في الأعوام الماضية.
وهنا يمكن القول، إن الحزب قرّر تحدّي خصومه الذين يتحدّثون عن تراجع شعبيته في بيئته، كما أنه قرّر وضع نفسه أمام اختبار تماسك جمهوره والتفافه حول أهدافه ورؤيته واستراتيجيته، بغض النظر عن يوميات العمل النيابي. فالانتخابات بالنسبة للحزب ليست اقتراعاً لشخص المرشّح، وإنما استفتاء للحزب نفسه، وهذا ما يجعل التحدّي في سياق مواجهة سياسية مع المحاولات الخارجية والداخلية لإضعاف الحزب تمهيداً لإلغاء موقعه وحضوره وتأثيره.
لكن، أمام حزب الله مهمة ليست سهلة تتمثّل في إقناع الجمهور بتجاوز صورة وإسم المرشح، والتصويت للعناوين السياسية التي يتصدّى لها الحزب، والتي يعتبر النائب الذي يمثّله أحد ركائزها.