هل تنتهي معركة “الحاكمية” بإقالة سلامة؟

/محمد حمية/

لن يتوقف مسار الملاحقة القضائية والأمنية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكنه لن يصل إلى خواتيمه السعيدة في القريب العاجل، في ظل صراع سياسي علني وخفي حول موقع حاكمية مصرف لبنان بين العهد وخصومه السياسيين، فيما يقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الوسط تجنباً للاصطدام مع بعبدا والموقف الأوروبي ولو أنه يعلن رفضه إقالة سلامة ويظهر تعاطفاً مع الرئيس سعد الحريري.

وتكشف مصادر مطلعة على الملف لموقع “الجريدة” أن وبعد مداهمة أمن الدولة مقرات سكن سلامة وعمله، سارعت جهات سياسية للتدخل لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي بالتوازي مع ضغوط خارجية وتحديدا من السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا، لاحتواء الموقف ولجم المسار القضائي والأمني ضد سلامة.

كما أفيد أن ميقاتي اتفق والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات على عدم الادعاء على سلامة. كما توافق ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي على رفض الأخير منح الإذن للقضاء لملاحقة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عثمان بناء على الادعاء عليه من المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون بتهمة التقاعس عن تنفيذ أمر قضائي.

وفيما يؤكد خبراء قانونيون وعسكريون لـ”الجريدة” أن عثمان خالف القانون بتخلفه عن تنفيذ أمر النيابة العامة في جبل لبنان، أشارت معلومات “الجريدة” الى أن القاضية عون ستتوجه لاتخاذ خطوات وإجراءات قضائية خلال أيام في هذا الملف ضد سلامة وعثمان، وبالتالي لن تسمح للتدخلات السياسية بضرب المسار القضائي.

وكشفت أوساط سياسية مطلعة على موقف بعبدا لـ”الجريدة” أن “المسار القضائي لملاحقة سلامة حتى استجوابه ومحاسبته لن يتراجع، بل سيصل إلى اتفاق على تصحيح هذا الخطأ والشواذ الذي يمثله سلامة ومن يدعمه ولو بعد حين”. ولفتت الى أن “سلامة يستفيد من الانقسام والتشرذم في الموقف الداخلي الحاصل في هذه القضية”.

وتقر الأوساط بصعوبة إقالة الحاكم في نهاية العهد الحالي لا سيما وأن الرئيس الجديد قد لا يوافق عليه، وبالتالي سنواجه مشكلة جديدة بين الرئيس والحاكم.

لكن المعنيون في بعبدا أيقنوا بأن ملف التدقيق الجنائي وكشف حقيقة تبخر الودائع وسرقة المال العام سيبقى معرقلاً ومجهولاً ولن يصل الى خواتيمه طالما سلامة في موقعه. لذلك العهد سيخوض معركة ازاحة الحاكم حتى النهاية.

وفيما يُحذر مصدر في تيار المستقبل عبر “الجريدة” من نية العهد استغلال انكفاء الحريري السياسي بهدف “تصفية” “الحريرية السياسية”. نفت الأوساط المقربة من بعبدا هذا الكلام متسائلة: هل يستطيع عون تصفية جبهة سياسية عريضة تضم تيار المستقبل ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وتيار المردة وغيرهم؟ بالتأكيد لا، لكن في نهاية المطاف هناك طبقة سياسية لا تستطيع أن تستمر في ظل واقع الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية والضغوط الخارجية على لبنان”.

وفيما تتهم مصادر معارضة للعهد عبر “الجريدة” عون والنائب جبران باسيل باستخدام قضية سلامة لغايات انتخابية وللإيحاء بأن التيار رأس حربة مكافحة الفساد في لبنان، تتوقف مصادر أخرى عند فتح باسيل الباب أمام التفاوض لتأمين مخرج “آمن” لسلامة وتعيين بديل يحظى بتوافق داخلي – خارجي من دون أن يدين بالولاء الكامل للتيار الوطني الحر، ما يعني أن “سيف” ملاحقات القاضية عون لسلامة، هو مجرد ورقة تفاوضية للوصول الى تفاوض فاتفاق على موقع الحاكمية. بيد أن المعلومات من جهات مختلفة داخلية وخارجية، تشدد على أن اقالة سلامة أو تعليق عمله بقرار قضائي، لن يكون سهل المنال، في ظل موقف القاضي عويدات، وغياب التوافق الداخلي – الخارجي على بديل سلامة سيما وأن الإقالة تحتاج الى ثلثي مجلس الوزراء وهذا غير مؤمن. لذلك تتوقع المصادر أن يبقى الحاكم في منصبه الى ما بعد الانتخابات النيابية وربما حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

في المقابل تُبدي أجواء عين التينة استغرابها من العودة الى فتح ملف “الحاكمية” في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، محذرة من أي “دعسة ناقصة” تؤدي الى تداعيات خطيرة على كافة المستويات. أما مصادر ميقاتي فتؤكد لـ”الجريدة” رفضه تغيير الحاكم في الوقت الراهن، لألا يؤدي ذلك الى عرقلة خطة التعافي المالي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإجراءات مصرف لبنان التي لجمت سعر صرف الدولار على الـ21 ألف ليرة التي تواكب بدورها إقرار موازنة 2022 والإصلاحات المطلوبة. لذلك يردد ميقاتي بحسب مصادره مقولة: “في الحرب لن نتخلى عن الضباط، وحتى انتهاء الحرب لكل حادث حديث”.

أما حزب الله فيُفضل بحسب ما تشير أجواؤه لـ”الجريدة” التريث في مسألة إقالة الحاكم في ظل الانقسام السياسي الحاصل حول هذا الملف، فهو من  جهة يريد اظهار لحليفه التيار الوطني الحر بأنه يقف معه في عملية مكافحة الفساد كبادرة حسن نية واثبات على عزمه تصحيح الخلل في اتفاق “مار مخايل” وتطويره، ومن جهة ثانية لا يريد تجاوز حليف “الثاني الشيعي” أي الرئيس بري، ولو أن الحزب بحسب المصادر كان في الاصل منذ عامين يفضل اقالة سلامة وتعيين حاكم بديل يستطيع ضبط سعر الصرف في السوق السوداء ووقف التلاعب بالعملة الوطنية، لكنه يغلب التفاهم الداخلي على موقع الحاكمية لتفادي الاصطدام.