بعد 40 دقيقة.. هل تستمر الرهانات؟

علاء حسن |

انتشر مقطع فيديو قبل أيام في عشية الذكرى الرابعة عشر لاغتيال الشهيد عماد مغنية (اغتالته اسرائيل في العام 2008 في دمشق)، يتحدّث فيه عن ترسيخ فكر المقاومة في المجتمع، وعدم امكانية اقتلاع المقاومة بأي شكل من الأشكال، لأن هذا الوجود جذوره عميقة داخل المجتمع. مرّ أكثر من عقدين على تلك الكلمات، عبر خلالها لبنان منعطفات كثيرة جعلت البعض يظن أن شعلة المقاومة في وجه العدو الصهيوني قد خف وهجها، وأن الداعمين لفكرها لم يعودوا كما في السابق.

إلا أن عملية إطلاق الطائرة “حسّان” من قبل المقاومة، وتحليقها أربعين دقيقة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم توقظ العدو الإسرائيلي فقط، وإنما أيضاً أيقظت القوى السياسية اللبنانية، ودغدغت مجدداً الوجدان اللبناني الذي لم يتخلّ عن العداء لإسرائيل، وإن كانت هموم اللبنانيين الاجتماعية والمعيشية كبيرة.

فقط 40 دقيقة، كانت كافية لاستنفار عسكري، وايضاً استنفار في الوعي اللبناني، وأظهرت تفاعلاً جماهيرياً ملفتاً، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وتغريدات مؤيدة للمقاومة وداعمة للعملية ومَنْ وراءها، مستهزئين بالعدو الصهيوني ويفتخرون بما صنعته سواعد مواطنين من هذا البلد.

اللافت في الأمر أن هذا التفاعل المجتمعي مع العملية، لم ينحصر في بيئة خاصة أو فئة عمرية أو ثقافية معينة، بل تخطى كل الحواجز الوهمية التي حاول البعض رسمها، فأصبحت نقطة مضيئة في وجدان الناس. وان كان لا بد من قراءة سريعة لما حصل، فمن البديهي القول أن مفاهيم المقاومة والعروبة ومعاداة الصهيونية والانتماء لفلسطين، لم تصبح بعد بالية مثلما يدّعي السائرون في ركب التطبيع والمروجون له، بل هي مفاهيم مجتمعية راسخة تم دفع ثمنها بالدم والصمود.

ورغم ما حققته هذه العملية من أهداف سياسية وعسكرية، إلا أن الرسالة الأكثر بلاغةً كانت مشاعر الناس الفخورة والفرحة في مختلف المناطق، والتي صفعت مشاريع عزل المقاومة بقوة، وهو ما فهمه العدو الصهيوني قبل غيره، وأدرك أنه في أي حرب مقبلة، سيواجه المقاومة ولبنان بمختلف انتماءاته الطائفية والمناطقية وحتى الحزبية.

وفي المقلب الآخر برزت مواقف شعبية وسياسية لم ترحب بما حصل. دون أن يعني ذلك أنها تصب في خانة رفض المقاومة كافة. ومن بين تلك المواقف أناس تذكروا انفجار الرابع من آب، وآخرين منهكين يشعرون بالخوف من تصاعد الأحداث في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تثقل كاهل المواطن.

لكن صدور مواقف عن شخصيات سياسية عارضت ما حصل، وحاولت التخفيف من أهميته، يدل على أن هذه العملية قد عرّت زيف الادعاءات المستمرة حول انخفاض شعبية المقاومة، وقدرة هذه الأخيرة على التحشيد الجماهيري والتأثير فيهم، بعد أن كانوا قد أقنعوا الخارج أن الظروف أصبحت على مقربة من أن تكون مهيأة للحصول على الأغلبية النيابية المناوئة للمقاومة، في الانتخابات القادمة، وبالتالي لم تعد مسألة محاصرة المقاومة واستهدافها بالأمر العسير. وعليه تصبح الخطوة الثانية، وهي انضمام لبنان، ولو بشكل بطيء وسري، إلى عملية التطبيع، أمراً يمكن المضي فيه.

كانت الأربعين دقيقة تلك كفيلة بضرب هذه التوجهات والتقارير والأوهام، ومحاولات الاستثمار في بيئة المقاومة.