حدثان يرسمان ملامح لبنان المستقبل.. وسط النكد الفئوي!

جورج علم |

إستثماران دوليّان. والثالث على الطريق.

لم يغادر الأميركي آموس هوكشتاين بيروت فارغ اليدين، حمل في حقيبته ما يمكن “البناء عليه”. قدّم في 9 الجاري “إقتراحات جديدة بشأن قضيّة ترسيم الحدود”. وعده الرئيس نجيب ميقاتي بالتشاور “لتحديد الموقف اللبناني منها”. السفارة الأميركيّة أصدرت بيانا عقب المحادثات التي أجراها هوكشتاين مع قائد الجيش العماد جوزف عون، وصفت فيه اللقاء ب”المثمر”. وأكدّت ” أن إتفاقاً على الحدود البحريّة يمكنه أن يخلق فرصة تشتد الحاجة اليها لتحقيق الإزدهار لمستقبل لبنان”.

كان البيان ـ وفق تقييم دبلوماسي ـ مهماً، في الشكل والمضمون. صدر بعد زيارة قائد الجيش، دون غيره من المسؤولين. وأوحى ضمناً الى “من قد يتولى مسقبلا تنفيذ الإتفاق لتحقيق الإزدهار”.

هوكشتاين الذي حرص على  عدم الإفصاح عن الإقتراحات التي أبلغها الى المسؤولين، اكتفى بالقول: “إن مفاوضات ترسيم الحدود بين الجانبين في نهايتها، والثغرات قلّصت”.

السرّية في بيروت، كشفتها صحيفة “هآرتس” العبرية في 17 شباط، حيث نقلت عن “مسؤولين كبار في المنظومة الأمنية”، اعتقادهم بأن “الطريق بات ممهداً لتوقيع اتفاق بحري بين إسرائيل ولبنان بواسطة الولايات المتحدة الأميركيّة”. وذكرت بأن هوكشتاين نقل رسالة الى تل أبيب في الأيام الأخيرة مفادها أن “زعيم حزب الله، حسن نصرالله أعطى موافقة للحكومة اللبنانية بالتقدم في المفاوضات”.

وأضافت: “إن الإتفاق من شأنه جلب أرباح للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلّص من أزمته الإقتصاديّة”.

وتابعت : “وفق الإتفاق االبحري المحتمل، ستحصل شركات طاقة على حقوق البحث، واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثم يتفق الطرفان على وسيط دولي، سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة”.

أضافت الصحيفة: “رغم أن حزب الله كان قد رفض التوصل الى مثل هذا الإتفاق، الذي من شأنه أن يمنعه من العمل ضدّ إسرائيل من الساحة البحرية التي بنى فيها خلال السنوات الأخيرة قدرات هجوميّة، إلاّ أن مسؤولين في المنظومة الأمنية الإسرائيليّة يعتقدون بأن حزب الله معني بالإتفاق لتخفيف الضغط اللبناني الداخلي ضده بسبب الأزمة الإقتصاديّة”.

وزير لبناني متابع تحدث عن “ضغوط صوّبت البوصلة بإتجاه الإتفاق”، منها:

أولاً: رسالة لبنان في 2 شباط الجاري، التي سلّمتها السفيرة أمال مدللي الى رئيسة مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر منى يول، والذي أكدّ فيها تمسكه بموقفه من المفاوضات المتعلّقة بالحدود البحرية مع إسرائيل، وفقا للخط الحدودي 29، الذي يعني أن المساحة المتنازع عليها 2290 كلم مربعاً، وليس 860 كلم مربعاً. هذه الرسالة دفعت بالإدارة الأميركيّة الى إيفاد هوكشتاين الى بيروت على وجه السرعة “تحاشياً لعملية خلط أوراق واسعة”.

الثاني: أن لدى إسرائيل إستحقاقاً في آذار المقبل، وهو بدء التنقيب عن النفط في حقل “كاريش”. وهدف تل أبيب عدم تفويت الفرصة  للبدء بالمشروع  بسبب أهميته المتمثّلة بدخول إسرائيل في “منظومة الغاز الإقليميّة”.

الثالث، والأهم: حرص الإدارة الأميركية على الإستثمار من خلال شركة “هاليبرتون” العملاقة، والتي فازت في 14 أيلول الماضي بمناقصات للحفر والتنقيب عن الغاز والنفط في حقل “كاريش” البحري، في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.

ويخلص الوزير قائلاً: إذا جرت الأمور، كما هو مخطط لها، يمكن القول بأن الأميركيين سيستثمرون بالغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها من خلال شركة “هاليبرتون”. اما الوسيط الدولي الذي سيحدد مستوى الأرباح، ربما يكون “بطل الإتفاق” أموس هوكشتاين.

أما الإستثمار الثاني، فرنسي بإمتياز، بعدما حصلت مجموعة الشحن الفرنسيّة “سي. إم. أيه. سي. جي. إم” على عقد إدارة وتشغيل وصيانة  محطة الحاويات في مرفأ بيروت  لمدّة عشر سنوات.

مجموعة الشحن هذه تمتلكها عائلة سعادة اللبنانية ـ الفرنسيّة، ويشكّل نشاط سفنها 55 بالمئة من حجم العمليات في محطة الحاويات. وستستثمر 33 مليون دولار، منها 19 مليون دولار في العامين الأول والثاني لتحديث البنية الأساسيّة، وتحقيق التحول الرقمي لتشغيل المرفأ، وتهدف الى طاقة إستيعابية  تصل الى 1.4مليون حاوية سنوياً، بدلا من 650 ألفاً حاليّاً.

ويقول رئيس مجلس إدارة المجموعة، ومديرها التنفيذي رودولف سعد، وهو لبناني ـ فرنسي “سنطلق قريبا خطة إستثماريّة  طموحة ستحوّل محطة الحاويات الى منشآت حديثة تلبّي أفضل المعايير الدولية”.

أما الإستثمار الثالث، الكهرباء: الألمان مستنفرون. شركة “سيمنز” ملفاتها جاهزة. السفير الإلماني في حركة مستمرة على كبار المسؤولين لإقتناص الفرصة. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مطلع، ومهتم، والأيام ستفضح كل جديد.

وبإختصار شديد: إن “الوطن – المريض”  يدخل عمليّاً غرفة العناية المركزة بإشراف “المجموعة الدولية لدعم لبنان”. “المجموعة” هذه، تتوزع الأدوار، كون لبنان حقل مؤات للإستثمار، فيما أبناؤه يتقاسمون النكد الفئوي!