احجزوا أماكنكم في “النظام الجديد”!

| رندلى جبور |

نعيش اليوم مرحلة شبيهة بمرحلة إنهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن بشكل معكوس.

فذات يوم في العام 1991، كُتبت نهاية اتحاد وبناء نظام دولي جديد قوامه الآحادية الأميركية في السيطرة على العالم.

وذات طوفان، تُكتب نهاية الآحادية الأميركية وبداية نظام دولي جديد قوامه الثنائية القطبية التي توزّع السيطرة العالمية بين دول الغرب و”الناتو” من جهة، ودول الشرق و”البريكس” من جهة أخرى.

وفي الحالتين، التشابه هو الفوضى التي تعمّ العالم، واللا استقرار الذي تعيشه، ليس الدول فحسب، بل كل فرد فينا، ونحن إذاً في فراغ متخبط بين نظامين تعلو في خلاله الأزمات.

أما المختلف، فهو أن حكم العالم ينتقل من يد واحدة إلى أيادٍ متعددة، وهذه التعددية تفرضها متغيرات أساسية، نذكر منها:
1 ـ عودة نهوض روسيا كقوة دولية بعدما كانت طيلة الفترة الماضية تلملم انكسارها، وهذا النهوض الروسي الـ”بوتيني” لم ينطلق من موسكو وحدها، بل من سوريا وأوكرانيا كذلك.

2 ـ عودة الصين إلى المشهد، ليس من خلال العسكر الذي لم تركن إليه يوماً، بل من خلال الاقتصاد والاتفاقات والتحالفات الدولية.

3 ـ توسيع دائرة دول “البريكس”، من خلال انضمام أعضاء جدد يشملون مختلف الطوائف والأعراق والقارات، ويحتوون على أكثر من نصف سكان العالم وثرواته وماله وقدراته العسكرية، وهذه كلها لها حساب في علم الاستراتيجيا.

4 ـ تبدّل الرأي العام العالمي، من “مسحوق” للغرب إلى “مسحور” بعودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بسردية جديدة بعيدة من السردية الصهيونية.

5 ـ تحكّم اليمن بأحد أهم الممرات المائية، وتشكيل محور متكامل للمقاومة، مع عقل مبدع وقدرات متطورة وصمود أسطوري وتجاوز لكل أنواع العقوبات.

6 ـ انسحاب السعودية من المشهد السياسي العام، لتتفرغ للتخطيط لاقتحام المشهد الاقتصادي بناء على رؤية 2030.

7 ـ عودة سوريا، بعد ثبات وانتصار، إلى حضن الجامعة العربية، وإعادة علاقاتها بمعظم الدول الخليجية، وقد تمّ تعيين سفير للمملكة في دمشق منذ أيام.

8 ـ سقوط مشروع “الممر الهندي” لمجموعة العشرين على أبواب غزة، وفشل “إسرائيل” في تحقيق حلم أن تكون صلة الوصل بين الشرق الأدنى وأوروبا.

9 ـ الفشل العسكري، الأميركي والإسرائيلي والأوروبي، ومعهم “الناتو”، من كييف إلى فلسطين.

وعليه، ومع تشكّل النظام الدولي الجديد، الرمادية تعني الموت، ووحده الموقف الواضح، إما غرباً وإما شرقاً، هو الذي يحدد الدور والحضور في المرحلة المقبلة. فسارعوا لحجز أماكنكم، لأن “البطاقات” محدودة، و”شباك التذاكر” يمرّ حتماً من الشرق الأوسط.