لبنان غارق باقتصاده الموازي! 

| ناديا الحلاق | 

بعد أن ارتفعت تكاليف المعيشة وتضاعفت الضرائب، وبعد أن أصبحت شروط العمل تمنع العمال من تحقيق دخلٍ كافٍ لسد احتياجاتهم الرئيسية، فضل بعض اللبنانيون العيش في عوالمهم الخاصة بعيداً من أعين الدولة وإجراءاتها المعقدة وغير المبررة في معظم الأحيان، حتى أصبح أكثر من نصف الاقتصاد في لبنان “اقتصاد ظلّ”.

وفي تعريف اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الخفي، فهو مجموعة أنشطة اقتصادية يمارسها الأفراد والشركات من دون أن تسجل بشكل رسمي، ولا تدخل بحسابات الدخل القومي، أي أنها تمارس خارج الاطار الحكومي وسيطرته ولا تخضع لمعايير وزارة المالية وبياناتها.

ويتسبب الاقتصاد الموازي بكثير من الأضرار، فهو يشكل عبئاً على الدولة كونه يحرم خزينتها من عائداته وأرباحه، وبالتالي تصبح الدولة غير قادرة على الاستثمار في البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

ومن شأنه أيضاً خلق حالة من اللامساواة بين المواطنين، فيشعر بعضم بالاضطهاد والظلم لأنهم مضطرون للالتزام بالقوانين، فيما يتهرب آخرون من مسؤوليّاتهم تجاه الدولة والمجتمع.

ومن أضرار الاقتصاد الخفي أيضاً أن العمال يفتقرون إلى الحماية القانونية ولا يستطيعون الدفاع عن حقوقهم أو المطالبة بها، كونهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، ولا ضمانَ لهم في الحصول على الحد الأدنى للأجور.

ومن الملاحظ أن الاقتصاد الموازي بدء يتوسع بشكل غير مسبوق في لبنان خصوصاً بعد أزمة 2019، ويمكننا تعزيز الأدلة على هذا التوسع من خلال الإشارة إلى عمليات التسويق والبيع الالكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية التي لا تخضع لرقابة وزارة الاقتصاد، وتمارس أعمالها بشكل طبيعي من دون أن تدفع الضرائب وتدخل في الناتج المحلي.

وأيضاً من خلال أشكال العمالة غير الشرعية، وهنا يمكن الإشارة إلى “موظفي الدولة” عندما ينخرطون في وظائف أو أعمال حرة بحثاً عن مصدر رزق إضافي، بعد أن تآكلت قدرتهم الشرائية، ما يؤدي إلى استنزاف خزينة الدولة من جهة، وحرمان الدولة من الضرائب والرسوم المتوجبة عليهم من جهة أخرى.

أضف إلى ذلك، تهريب الأموال وتهريب البضائع عبر المعابر الحدودية وتبييض الأموال والجرائم المنظمة وغيرها.

إذن، إلى أي مدى أصبح لبنان غارقاً باقتصاده الموازي؟

ساهمت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في زيادة الإقتصاد الموازي في لبنان حتى أصبح يشكل 55% تقريباً من مجموع الأنشطة الاقتصادية المتداولة، وهذه النسبة مرجحة للازدياد خلال العام 2024 وذلك بسبب انهيار الدولة ومؤسساتها.

وفي حال استمر الحال على ما هو عليه في الدولة والقطاع العام، ولم يتم التوصل إلى إيجاد سياسات لنمو الناتج الوطني، زيادة نسبة العمالة، وتخفيض مستوى التضخم، فستكون التداعيات كارثية وسيشهد لبنان مزيداً من التضخم في الاقتصاد الموازي في لبنان. وفي نهاية المطاف الأزمة المستفحلة تنهش كرامة الحلقة الأضعف في لبنان، والمواطن يبحث عن لقمة عيشه!.