الرعية للراعي: هذا هو المطلوب مسيحياً ولبنانياً!

| رندلى جبور |

جميل هو مشهد اللقاء الذي جمع قوى سياسية مسيحية في بكركي، تحضيراً لإطلاق وثيقة يُراد منها أن تكون “وطنية” انطلاقاً من “الشرقية”.

ولكنّ أي وثيقة تَقرأ الوطن من كتاب واحد، لن تجدي نفعاً.

وأي وثيقة تنطلق من خلفية أن الثوابت تخصّ طائفة بعينها، وأن المخاطر تهدّد طائفة بذاتها، لن تكون على المستوى المطلوب، في حين يجب أن تكون الثوابت واحدة، والهواجس واحدة، والمخاطر واحدة، والصديق واحد.. وكذلك العدو.

وأي وثيقة لا تقترن بآلية عملية، يلتزم بتنفيذها الجميع لإنقاذ كل رعية، ستبقى حبراً على ورق.
والرعية المسيحية تقول اليوم إن المطلوب هو التالي:

1 ـ التأكيد أن الوطن واحد، وكل فكر انعزالي، أو تقسيمي، أو فيدرالي، سينعكس سلباً على المسيحيين أولاً الذين عاشوا تجربة “الوحدة المنقسمة” في بقعة جغرافية ضيقة، وهم من دفع الثمن غالياً.
2 ـ التشديد على أن المواجهة ليست بين المسيحيين والمسلمين، بل بين لبنان المتنوّع وبين لبنان الذي يريده البعض تحقيقاً لمشاريع التفتيت العنصرية، التي يذهب فيها المسيحيون “فرق عملة”.
3 ـ التذكير بأن الخطر الذي يبدأ بالنزوح واللجوء، ويمرّ بالإرهاب و”إسرائيل”، وينتهي بفرط المؤسسات وتجذير ثقافة الفساد وتعميق الأزمتين المالية والاقتصادية، هو خطر على الجميع وعلى لبنان، ولن يبقى من يُخبر. والمسؤولية بالتالي تحتّم رفع صوت مشترك، لا رفع أصوات بالمفرّق، لدرء المخاطر الوجودية، وإنهاء المخاوف الكيانية.
4 ـ تقع على الكنيسة مهمّة أن تكون إنساناً قبل أن تكون صرحاً، لأنه إذا سقط الانسان لن يبقى أي هيكل.

وإنساننا اليوم لا يحتاج إلى رجم الآخر بالحجارة، بل إلى وضع حجر تأسيسي لحماية المجتمع، من خلال الاستثمار في الأملاك والأموال والمشاعات والأراضي، ليتعلّم كل مسيحي، وكل مواطن، وليتطبّب كل مسيحي، وكل مواطن. ولتصطلح العملة الوطنية. ولا يتحوّل الجوع الى مشروع عمالة أو هجرة. وليكون اقتصادنا منتجاً، لا ريعياً يجعلنا أسرى أفخاخه كل عشر سنوات. وليكون مسرح الحلم أرض هذا الوطن، لا تذكرة سفر. ولتنهض مؤسسات الدولة، بمدرستها الرسمية وجامعتها الوطنية ودوائرها ومصالحها ونافعتها ومنافعها وإداراتها وكوادرها وخطابها الجامع. ولتقرع أجراس الكنائس وتصدح أصوات المآذن في هذا اللبنان الكبير، بعيداً من العصبيات التي لا تفيد أحداً، ولنعيش عيشاً حقيقياً لبنان الرسالة وأكاديمية التلاقي والحوار.

وإذا كان المسيحيون رفضوا التطرف من الجهة الأخرى، والذي يقود في أحد وجوهه إلى الإرهاب والموت، فلماذا يذهبون بأرجلهم إلى ما يرفضونه عند الآخرين؟

هم حتماً يذهبون بهذا الاتجاه بأرجلهم فقط، لا بعقولهم ولا بقلوبهم ولا بحضارتهم، وقد خرج من بكركي “لبنان الكبير”.

ولئلا يكونون ممن تسهل عَدْواهم، يجب أن يتخذوا موقفهم بعقلهم البعيد، لا بآذانهم، ولا يتأثروا بما يسمعون ويصبحون بالتالي راكبي موجة ستقودهم حتماً الى الغرق.

والغرق هذه المرة سيكون الأخير وبعده لا إنقاذ.

والقضية المسيحية، بوجودها وحضورها ودورها، هي أولاً قضية وطنية، والصرخة موجهة إلى المسلمين كما إلى المسيحيين، لأن المسلم من دون المسيحي يبقى ناقصاً جناحاً، والمسيحي من دون المسلم يبقى ناقصاً جناحاً، وليحلّق طائر الفينيق من جديد يحتاج إلى جناحين، وعندها فقط ننفض الرماد!