| جورج علم |
سدّدت الولايات المتحدة خمسة أهداف نظيفة في شباك الشرق الأوسط.
الأول: وضع البحر الأحمر، وبحر العرب، والبحر الأبيض المتوسط، في عهدة “التحالف الدولي” بقيادتها، أو في عهدة دول نافذة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
الثاني: الاضطلاع بدور “المدقّق الجمركي” عند نقاط العبور ما بين دول الخليج والصين، ووضع الاتفاقيات المبرمة حول النفط، والتكنولوجيا، والاستثمارات، تحت المجهر الأميركي ـ الغربي.
الثالث: السعي الجدّي لاحتواء الانفتاح السعودي على الهند، الذي يبدأ عمليّاً اعتباراً من مطلع العام 2024.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن، في أيلول الماضي، وعلى هامش مشاركته في قمّة العشرين التي استضافتها نيودلهي، عن تطوير وتأهيل البنى التحتيّة التي تشمل السكك الحديديّة، وربط الموانىء، وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري، ومدّ خطوط أنابيب تصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات نقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة عالية.
وكان وزير الاستثمارات السعودي خالد الفالح قد أعلن أن “صندوق الاستثمارات العامة يدير أصولاً تفوق 750 مليار دولار، ويدرس فتح فرع له في نيودلهي، ما يؤشّر إلى اهتمام الصندوق السيادي بالاستثمار في الشركات الهنديّة التي تشهد نشاطاً لافتاً في الآونة الأخيرة”.
كلام من هذا النوع، وعلى هذا المستوى، لا يمرّ مرور الكرام أمام المراقب الأميركي. هناك تمعّن، وتدقيق، وفي كلّ الأحوال هناك ضريبة أميركيّة على “حركة الترانزيت”.
الرابع: منع تمدّد مجموعة “بريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، نحو الخليج.
وكان مؤتمر القمّة الذي انعقد في جوهانسبورغ في 24 آب الماضي، قد إتخذ قراراً بزيادة عدد الأعضاء عن طريق ضمّ 6 دول إلى مجموعة الخمس، هي: إيران، المملكة العربيّة السعوديّة، دولة الإمارات العربيّة المتحدة، مصر، الأرجنتين وأثيوبيا، وذلك اعتباراً من أول كانون الثاني 2024.
لقد استقدمت الولايات المتحدة بوارجها لمواجهة المشروع، وإسقاطه، نظراً لمخاطره الاستراتيجيّة على مصالحها.
الخامس: تمديد الصراع في المنطقة. لقد استخدمت واشنطن حق النقض “الفيتو” مرتين في مجلس الأمن الدولي لإسقاط مشروعين لوقف إطلاق النار في غزة، وإفساح المجال أمام إستمرار احتدام المواجهة، وفتح الباب وسيعاً أمام رياح التطرف لتنتعش سمومه، وتنشط داخل مجتمعات دول المنطقة.
إن الأهداف هذه، وإن كانت سديدة في مرمى المنطقة، إلاّ أنها هزّت الشباك اللبنانيّة، ولو بصورة غير مباشرة.
الحديث عن تنفيذ القرار 1701 ليس لبنانيّاً، بل أميركي. وعن إمكانية تنفيذه تحت الفصل السابع، ليس محلّياً، بل أميركي ـ “إسرائيلي” بامتياز. هناك 80 ألف مستوطن يخشون العودة إلى المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان، خوفاً من رجال المقاومة، وصواريخ “حزب الله”. وتحوّل هؤلاء إلى عبء سياسي، اجتماعي، اقتصادي، وعلى بنيامين نتنياهو أن يجترح الحلول والمخارج.
الخطاب الأميركي لم يتغيّر لغاية اليوم: “ممنوع تحويل لبنان إلى غزّة ثانيّة”. لكن هذا “الممنوع” يمكن أن يتحوّل إلى “احتمال وارد” نتيجة الرواسب الحارقة التي ينفثها البركان الغزّاوي الناشط.
لقد تعثّر “فوج الإطفاء” الدولي ـ الإقليمي في التوصل إلى وقف لإطلاق النار. والذين صعدوا إلى أعلى الشجرة، يرفضون التنازل عن مواقفهم المتصلّبة، توطئة للنزول إلى أرض الواقع. المسار الدبلوماسي محاصر بشروط تعجيزيّة. المسار العسكري محاصر بذهنيّة الإلغاء، إلغاء الآخر، وهذا ـ إذا كان ممكناً ـ سيؤدي إلى تغيير خرائط في المنطقة، وإلى انخراط تحالف دولي ـ إقليمي في مواجهة التحالف الدولي ـ الأميركي. لا زال الشوط في بداياته، والأميركي ليس وحده في الملعب، هناك آخرون، ويحسب لهم ألف حساب.
يريد نتنياهو التضحية بلبنان من زاوية الإصرار على تطبيق الـ1701، ولكن هذا القرار إتخذه مجلس الأمن الدولي لحماية لبنان، لا للتضحية به. و”بنك الأهداف الأميركي”، قد يستوعب “بنك الأهداف الإسرائيلي”، والحوار الأميركي ـ الإيراني مستمر في أكثر من مكان، وإن لم يبلغ بعد مرحلة النضوج، وعندما تكتمل العناصر ستجلس إيران وجهاً لوجه مع الأميركي حول الطاولة للبحث في “السيناريوهات ” القابلة للتنفيذ.
التصعيد “خبز” المرحلة، و”ملحها”، لتحسين الشروط، قبل الجلوس إلى الطاولة. نار الحرب مستعرة. والإستهداف يطال قيادييّن، ويقترب من الدوائر الحمراء، فيما الأساطيل المتهادية فوق البحر الأحمر، والمعروفة بجنسياتها، إنما تبحث عن “جنسيّة” اليوم التالي، ومواصفاته، ومؤهلاته للوصول إلى “استراحة المحارب”.
إن الأهداف الخمسة التي سددتها الدبلوماسيّة الأميركيّة في مرمى الشرق الأوسط، لغاية اليوم، هي بداية الشوط. يُنظر إلى “الكوب” الأميركي من “النصف الملآن”، ولكن أحداً لم ينظر إلى “النصف الفارغ”. أين تقف الصين من محاولات الحصار لمصالحها في المنطقة؟ وهل من “منطاد” ثانٍ يتعقب البوارج وحاملات الطائرات الأميركيّة؟ وما يصحّ للصيني، يصحّ للهندي، والروسي، والتركي، والعربي ـ الخليجي. الكل متأهب، وعلى صفحة البحر الأحمر لاءات ثلاث:
“لا مصريّة”: التحالف الدولي هدفه التحكم بحركة قناة السويس بهدف ابتزاز مصر، وإرغامها على القبول بسيناء كوجهة نزوح من غزّة.
“لا سعوديّة خليجية”.. الهيمنة على النفط استخراجاً، وتسويقاً، عبر بحر ومعبر مصفّحان بالبوارج وحاملات الطائرات، مرفوض بالمطلق.
“لا إقليميّة”، وإلى حدّ ما دوليّة. الهجوم الإسرائيلي على غزّة، وعلى القرار1701 هدفه تغيير الخرائط، ولبنان لن يكون كبش الفداء، لأنه ملتقى المحاور.. والحوار…