بصمة أميركيّة على الاتفاق السعودي ـ الإيراني!

/ جورج علم /

نفدت الطبعة الصينيّة من إتفاق التفاهم السعودي ـ الإيراني، لتحتل الطبعة الأميركيّة واجهة الإهتمام. فاز الرئيس شي جينبينغ بما يريد من منابع النفط والطاقة، ودعّم جسور الاستثمار مع كلّ من الرياض وطهران بعشرات الإتفاقيات، لينصرف إلى مداواة البركان التايواني قبل أن ينفجر، وينسف العديد من طرق الحرير، تاركاً الفرصة متاحة أمام واشنطن لإعادة تنقيح إتفاق التفاهم بما يتوافق مع مصالحها التاريخيّة في هذه المنطقة الرابضة فوق فائض من المناجم والثروات.
ومع إنتهاء مهلة الشهرين، يجوز السؤال: ماذا تحقق؟ أين غنمت السعوديّة من الاتفاق، وأين حصدت إيران؟ الأزمة في اليمن لم تترجّل بعد، هناك تبادل حصل لسجناء ومعتقلين. هناك مناخ يوحي بإيجابيّة ما، ولكن التغيير الجذري لم يحصل بعد، إنه بحاجة إلى البصمة الأميركيّة.
وخارج التضاريس اليمنيّة، تتصدر البصمة الأميركيّة أحداث السودان. ما يجري يضع الجميع، عرباً وعجماً، أمام حسابات جديدة، وخيارات مكلفة. ويتحدث الإعلام الأميركي عن “فاغنر” روسيّة، وأخرى إسرائيليّة، وعن مناجم من الذهب، والمعادن بدأت تتبخر.
وما يجري في سوريا، يفيض بالاستفهامات المربكة. بعيد الاتفاق، حلّ وزير الخارجيّة السعودي في دمشق متحدثاً عن خريطة طريق، فجاءه الجواب الأميركي بأن قانون قيصر لا يزال ساري المفعول، وأن كل الطرق تمرّ بتنفيذ مندرجات القرار الدولي الرقم 2254.
ويحلّ الرئيس الإيراني ضيفاً على عاصمة الأمويين، بُعيد زيارة الوزير السعودي، فهل من تنسيق بين طرفي إتفاق التفاهم حول كيفية مداواة الجرح السوري، أم كلّ يغنّي على ليلاه؟
وليس الأميركي في لبنان برتبة ضابط إيقاع، بل متنفّذ صاحب قرار، له رأي، وموقف، ويمارس رقابة صارمة على مسار الأمور. والسؤال الذي يطرح: إذا كان هناك من تفاهم سعودي ـ إيراني، فما الحاجة الى الوسيط الفرنسي؟ وإذا كان من تفاهم سنّي ـ شيعي بموجب الإتفاق، فلماذا لا ينطلي ذلك على شيعة وسنّة لبنان، وينبلج الفجر بعد كلّ هذا الظلام الدامس؟
وتتضمن الطبعة الأميركيّة من الإتفاق، الإنجاز الذي حقّقه آموس هوكشتاين، وفريق عمله. لم يعد ترسيم الحدود البحريّة فعلاً ماضياً ناقصاً بنظر الأميركيّين والإسرائيليّين، بل يبنى عليه، ويشكّل منطلقاً تحاول تل أبيب من خلاله، وبالتنسيق مع واشنطن، أن يكون لها رأي في الإستحقاق الرئاسي، وعلى قاعدة أن الرئيس العتيد يفترض أن يكون منفتحاً على تطوّيره بما يخدم المصالح المشتركة.
وخلال زيارتها إلى بيروت، قالت مساعدة وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف كلاماً حاسماً: “نحن مع التغيير”، يبقى معرفة كيف، ومتى، وهل يتطابق الحراك الفرنسي مع التغيير، أم هناك عزف مختلف تقتضيه لعبة المصالح؟
تركت واشنطن مساحة للدور الفرنسي، حتى أنها لم تضع “فيتو” على الأسماء، بل أكدّت على المواصفات. بمعنى آخر لا بدّ من بصمة أميركيّة على الإستحقاق الرئاسي، وهذا ما خفّف من مفاعيل الدور الفرنسي.
ويتحدّث بعض النواب العائدين من العاصمة الأميركيّة عن توجّه جدّي لدى وزارة الخارجيّة للإمساك بزمام الأمور إنطلاقا من دافعين:
الأول، لا حاجة للدور الفرنسي، في ظلّ الإتفاق السعودي ـ الإيراني، توافقهما يؤدي إلى معالجة الكثير القضايا الشائكة.
الثاني، لا حاجة للبحث عن تسوية للوضع اللبناني، التسوية جاهزة، وتقضي بضرورة تنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصلة، وتحديداً القرارات 1701، و1559، و1680. وإذا كان المطلوب تنفيذ القرارين 2014، و2216 لمعالجة الوضع في اليمن، وتنفيذ القرار 2254 لمعالجة الوضع في سوريا، فمن باب أولى، تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان.
ثم ما المصلحة بأن تقدّم واشنطن الإنجاز الذي حققه آموس هوكشتاين على طبق من فضّة للفرنسي كي يستثمر بغاز الجنوب ونفطه، من خلال شركة “توتال”، وبالتنسيق والتفاهم مع الإسرائيلييّن من جهة، والإيرانييّن و”حزب الله” من جهة أخرى، ولا تكون الريادة للشركات الأميركيّة، بإشراف فريق العمل الذي يتقدّمه هوكشتاين؟
واللافت أن السعودي، وبعد الزيارة التي قام بها مدير وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة وليام بيرنز إلى الرياض، أيقن بأن الفرنسي لم يعد في الموقع المؤثر في ورشة الاستحقاق، لذلك لجأت الرياض إلى التركيز على المواصفات، من دون الدخول في لعبة الأسماء، وقد شاءت أن تكون متطابقة إلى حدّ بعيد مع المواصفات الأميركيّة.
وكانت ردّة الفعل واضحة لدى الرئيس الفرنسي إيمانويال ماكرون، الذي عبّر عن إنزعاج، وضيق صدر، عندما زار الصين، مصطحباً معه رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أرسولا فان دير لاين، ودعا، وهو في طريق العودة، إلى التحرّر من التبعيّة للولايات المتحدة، وقال: “لا مصلحة للإتحاد الأوروبي أن يكون مجرّد قاطرة يجرّها القطار الأميركي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمسألة التايوانيّة”.
ولم يخفّف هذا التباين في المواقف من زخم الإهتمام الدبلوماسي الإقليمي ـ الدولي بالإستحقاق الرئاسي، لكن مع مؤشرات توحي بجاذبية الدور الأميركي، ومدى فعاليته وتأثيره على مجريات الأمور. وبعد جولة باربرا ليف على عدد من عواصم دول المنطقة، وإنفجار الوضع في السودان، بات واضحاً بأن التمدد الصيني في الخليج بات تحت المجهر تحوطه البوارج الأميركيّة المدججة التي تحمي المعابر المائية الإستراتيجيّة، وأن التقارب السعودي ـ الإيراني ممكن تحت مظلّة واشنطن، ومستحيل خارجها.
لقد فرملت البصمة الأميركيّة الإنفتاح العربي على سوريا، والحراك الفرنسي حول الإستحقاق الرئاسي في لبنان، وكانت لافتة دعوة وزير الخارجيّة الإيراني اللبنانيّين إلى التوافق لإختيار رئيسهم. إنها دعوة سبق أن اطلقتها باربرا ليف خلال زيارتها نهاية آذار الماضي!