/ سوسن صفا /
قد تصحّ مقولة “لا حياة لمن تنادي” على السياسيين اللبنانيين، لولا صراخهم المرتفع في حملاتهم المكرّرة ضد بعضهم البعض، والتي لا تعمل إلا على زيادة الإنقسام والشرخ في بلد لا صوت يعلو فيه إلا الصوت الطائفي.
معارك بالجملة، وسلاح واحد هو سلاح التعطيل يشهره الجميع في وجه الجميع، فيتجمّد البلد، وتتعطل مصالح اللبنانيين، وتتحلّل مؤسسات الدولة، وكأن المطلوب هو الدفع باتجاه الإنهيار الكامل!
من يملك مفتاح العقل في بلد لم يعد يعيش إلا على إيقاع الجنون المتفلّت في كل الساعات؟
كان يفترض بالحوار أن يضيّق المسافات المتباعدة، وأن يفتح أبواب دهاليز الحسابات التي تعطّل إلى اليوم وضع البلد على سكّة التعافي، عبر ملاقاة التفاهمات التي بدأت ترتسم أولى ملامحها في الإقليم، بدءاً من الإتفاق السعودي ـ الإيراني. لكن يبدو أن هناك من يتهيب أي اتفاق مقبل أو تقاطع وشيك لا مكان له فيه.
في المعطيات المتسرّبة، أو المسرّبة عمداً، يبدو أن الحركة الفرنسية شهدت تراجعاً لثلاثة أسباب:
الأول مرتبط بالانشغالات الفرنسية في الملفات الداخلية، في ظل الاحتجاجات على تعديل قانون التقاعد.
الثاني، بسبب فشل الفرنسيين في إقناع المملكة العربية السعودية بتسوية تقوم على قاعدة انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مقابل تسمية من تختاره السعودية رئيساً للحكومة.
الثالث، بسبب عدم جهوزية الإدارة الأميركية لإنجاز تسوية في الملف اللبناني.
وفي المعلومات أيضاً، أن زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية بربارة ليف إلى بيروت، لم تكن مجرّد استطلاع، كما فسّر بعض المسؤولين اللبنانيين، وإنما كانت تحمل رسالة مبطّنة إلى الفرنسيين بأن الإدارة الأميركية لم تتخلّ عن الملف اللبناني، وبالتالي لا تستطيع فرنسا التفرّد في إدارة هذا الملف، على الرغم من التفويض الأميركي المحدود الذي أُعطي للفرنسيين عندما انشغل الأميركيون بانتخاباتهم أواخر العام الماضي.
ووفقاً للمعطيات التي وصلت إلى بيروت في الحقائب الديبلوماسية، فإنه لا يبدو أن الإستحقاق الرئاسي قد وُضع على نار التسوية حتى اليوم، وإن كانت بورصة الأسماء ترتفع وتهبط بحسب السوق الداخلي المرتبط حكماً بالأسواق العالمية المفتوحة على كل أنواع “البيع والشراء”، في أكثر من مكان وعلى أكثر من ملف.
وتكشف معلومات خاصة أن الاتجاه الأميركي اليوم، يميل إلى عقد مؤتمر لبناني لصياغة تسوية، مع عقد جديد بين اللبنانيين، يتضمّن تعديلات في الطائف وبصيغة الحكم.
وتشير المعلومات إلى أن “حرب الساعة” كانت مفتعلة، لكنها حققت هدفها بوضع صيغة الحكم على الطاولة للنقاش، عبر فرض خطوط حمر لم يعد بإمكان أحد تجاوزها.
وفي هذه الحالة، فإن “حرب الساعة” التي رسّمت حدوداً سياسية في الحكم، هي واحدة من المعارك التي ستتكرّر، صولاً إلى ترسيم “خطوط الطول والعرض” في الحكم، والتي تمهّد لحوار ينطلق من هذه الخطوط.
وبانتظار أن تبرد الرؤوس الحامية، التي رفعت سقوف رفضها الجلوس على طاولة حوار لا بد أنها ستنعقد، ولكن بقوة دفع خارجية، كما اعتاد من احترف الدوران في الحلقات المفرغة، فإن الحراك الأميركي بدا كأنه يمهّد الطريق لإطلاق دينامية جديدة تأخذ المبادرة من الفرنسيين، أو تُلزم الفرنسيين بخريطة طريق أميركية ـ سعودية.
إذن الكل “يسكن” في مربعه، والبعض يراهن على التسوية الآتية.. ولكن من يضمن أنها لن تكون على حسابه هذه المرة، بعدما خسر معظم تحالفاته وأوراق القوة التي كان يمتلكها؟