الحالة الثانية للكوليرا تعود لممرضة.. وتأهب 9 مستشفيات حكومية

يبدو أن تفشي الكوليرا الكبير في سوريا تسلل إلى لبنان في ظل الزيارات المتبادلة والمنتظمة بين الدولتين. وتواجه سوريا أكثر من 11 ألف إصابة بعد انتشار الفيروس في كل أنحاء البلاد، في حين سجل لبنا  رسمياً أول حالتين بالكوليرا بالأمس في محافظة عكار. الحالة الأولى تعود لمصاب من التابعية السورية، في العقد الخامس من العمر، وسكان أحد المخيّمات في الريحانية- ببنين.

أما الحالة الثانية فتعود لممرضة كانت تهتم بالحالة الأولى وهي معزولة لمدة خمسة أيام في منزلها وتتابع حالتها عن كثب.

الكوليرا ليست الجرثومة الوحيدة التي تهدد اللبنانيين، فبعض المناطق الشمالية تواجه انتشاراً لحالات التهاب الكبد الفيروسي نتيجة تلوث المياه وشبكات الصرف الصحي.

وسط تزايد الحالات ووفاة 53 شخصاً مبلغاً عنهم نتيجة الكوليرا في سوريا، رأى رئيس فريق منظمة الصحة العالمية المعني بالكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي فيليب باربوسا أنّ “تفشي الكوليرا وانتشاره في جميع أنحاء البلاد يُنذر بالخطر”، في حين أشارت وزارة الصحة السورية إلى أن معظم حالات الوفاة للمرضى المصابين كانت نتيجة طلب الرعاية الطبية بعد فوات الأوان أو نتيجة إصابتهم بأمراض مزمنة أخرى”.

وبعد أن شهدت المحافظات السورية انتشاراً لحالات الكوليرا التي بلغت حتى الأمس حوالى 11 ألف إصابة، رصد لبنان أولى حالات الإصابة في منطقة تواجه أصلاً تفشياً آخر لحالات اليرقان نتيجة تلوث المياه فيها، وسط ارتفاع كلفة الاستشفاء وتعذر وجود بعض الأدوية في البلد.

حاولت وزارة الصحة اللبنانية احتواء الحالتين المسجلتين في لبنان والإفصاح عنهما من خلال مؤتمر صحفي، حيث أكد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أنّ “حالات الكوليرا التي تم تشخيصها لا تزال محدودة”، فيما توقّع “تسجيل ارتفاع في الحالات بسبب التفشّي في #سوريا”، مؤكداً أنّ “الأدوية متوافرة واللقاح مرتبط بوضع الحالات في البلد، وتم التنسيق مع منظمة الصحة العالمية”.

إن الخطر الصحي الجديد الذي يهدد لبنان يحتاج إلى خطوات ملموسة وتحركات سريعة، خصوصاً في بعض المناطق الأكثر فقراً وعوزاً والمخيمات السورية التي تنعدم فيها الإجراءات الاحترازية، بالإضافة إلى شبكات #مياه ملوثة وغير نظيفة تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض فيروسية أخرى كما شهدت بعض المناطق الشمالية مؤخراً.

منذ العام 1993 لم يُسجل لبنان أي حالة مصابة بالكوليرا، فهل نحن أمام تفشٍّ مقلق لاسيما أنه منتشر في الدول المجاورة؟ وما هي الإجراءات المتخذة لمنع تفشيها والسيطرة على الحالات؟

تشرح رئيسة الفريق التقني في منظمة الصحة العالمية في لبنان الدكتورة أليسار راضي لـ”النهار” أنّ مشاكل المياه على أنواعها تفرض أن يكون هناك ترقب وتأهب لأن بكتيريا الكوليرا تنتشر في المياه الملوثة (تلوث الآبار الارتوازية- مياه النهر – المياه التي تصل إلى المنازل من دون تكريرها أو تعقيمها بالكلور) أو بعد غسل اليدين بها ومن ثم تناول الطعام أو ريّ الخضروات بها والتي نتناولها لاحقاً. إذ تنتقل الكوليرا عن طريق البراز والفم عبر استهلاك المياه والأغذية الملوثة والأيدي الملوثة”.

وعلينا أن نعرف أن الكوليرا لا تنتقل إلا عبر المياه الملوثة بالبراز من شخص يحمل الجرثومة، ولكن حتى الساعة نحن في انتظار الأبحاث المعمقة لمعرفة نوع الجرثومة وانتظار النتائج التي تستغرق حوالى الأسبوع لمعرفة سلالة الجرثومة الموجودة في لبنان. أما بالنسبة إلى السلالة في سوريا وبنغلادش وباكستان والعراق فنحن نعرفها لأن هذه الدول سجلت في السنوات الأخيرة انتشاراً للكوليرا”.

وبرأي راضي أن “هناك احتمالاً كبيراً أن تكون السلالة هي نفسها الموجودة في سوريا بفعل تبادل الزيارات بشكل منتظم بين البلدين، خصوصاً أن سوريا تواجه تفشياً في كل المناطق وليس محصوراً في منطقة واحدة. فالبداية كانت في شمال سوريا حيث ظهرت الكوليرا قبل أن تتفشى في كل البلاد”.

وعن الحالات التي تستدعي تدخلاً طبياً؟ تشرح راضي أن الإصابة قد تكون خفيفة حيث يعاني الشخص من إسهال خفيف لمدة 4 أيام ، وأن حوالى 80% من الأشخاص يعانون من الإسهال، في حين يحتاج 20% منهم إلى دخول المستشفى نتيجة الإسهال الحاد الذي يؤدي إلى جفاف شديد خصوصاً عند الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أخرى (أمراض القلب والكلى).

وتكون العوارض الأولى إسهالاً، وآلاماً في البطن، وتقيؤاً، ولكن في حال لم تعالج بسرعة خاصة في حال العوارض القوية كالإسهال المائي الحاد، يمكن أن تؤدي إلى نقص حاد في المياه بالجسم أو ما يُعرف بالتجفاف الشديد الذي يُسبب مشاكل في عضلة القلب والوعي، وأحياناً توقف الأعضاء عن العمل.

وتنصح راضي بأن “تنحصر المعالجة في الحالات الشديدة التي تعاني إسهالاً مائياً حاداً بمراكز محددة لضبط انتشار الجرثومة حددتها وزارة الصحة في 9 مستشفيات حكومية. وتتعاون منظمة الصحة العالمية مع الوزارة لتأمين كل اللوازم والاحتياجات الطبية وتوفيرها في المراكز المخصصة لمعالجة الحالات التي تستوجب دخول المستشفى”.

وعادة يمكن للشخص الذي تعرض لمياه ملوثة أو طعام ملوث أو كانت يداه ملوثتين أن تظهر عليه العوارض بين 12 ساعة إلى 10 أيام، في حين أن المصاب يحتاج إلى عزل نفسه ومراقبة عوارضه. بعض المصابين لا يحتاج سوى إلى أمصال سوائل في حين أن البعض الآخر قد يحتاج إلى أدوية، والطبيب وحده من يقرر وصف الدواء للمريض. وحالياً تم توزيع البروتوكول الطبي عبر وزارة الصحة إلى كل المستشفيات لمعالجة الحالة وتقييم حالة المريض والأدوية التي يمكن إعطاؤها”.

وتتخوف راضي من ارتفاع الحالات في لبنان خصوصاً في ظل غياب الرقابة على شبكات المياه. والمناطق الأكثر عرضة للإصابة بالكوليرا هي المناطق التي تظهر فيها أمراض عديدة بسبب المياه الملوثة مثل اليرقان والتهاب الكبد الفيروسي. أما المناطق التي تعاني من شبكات صرف صحي ملوثة، وجور صحية غير معالجة بطريقة صحيحة، ومراكز إصحاح غير مضبوطة… فهي أشبه بدوامة خطيرة يتوجب معالجتها ومراقبتها بسرعة لأنها قد تكون بيئة لانتقال الكوليرا وغيرها من الأمراض. لذلك يجب اتخاذ تدابير سريعة وفورية ومنها وضع الكلور بطريقة سليمة وتجنب أن تكون الماء “راكدة” لأنها تؤدي إلى تكاثر الجراثيم”.

وعن الإجراءات الوقائية يُنصح:
– عدم شرب أو استعمال مياه غير مأمونة وينصح بشرب المياه من قوارير مياه معبأة مقفلة مضمونة المصدر.
– عدم الشرب و الأكل من الأواني نفسها مع الآخرين.
– غسل اليدين بالماء والصابون على نحو منتظم قبل تحضير الأطعمة أو تناولها، وبعد استعمال المرحاض.
– الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة الأغذية.
– طهي الطعام بشكل جيد جداً و تناوله مباشرة بعد طهيه
– مراجعة الطبيب فوراً في حال ظهور إسهال مائي غزير
– على المصاب بعد دخوله الحمام وضع كلورين قبل التخلص من البراز لعدم انتقال الجرثومة إلى مناطق أخرى.

النهار