/ الكويت ـ جورج علم /
يبقى التوازن الإقليمي حاجة، وضرورة، لتأمين استقرار محلي واعد بالإعمار، والإزدهار.
قدر الكويت أنها بجوار محيط مضطرب، وعلى خط تماس مع سلسلة بركانيّة متفجّرة، تبدأ من العراق، وتمتد حتى إيران، وهذا ما يجعلها تغفو على وقع التوترات، وتصحو على أصداء الترددات، وغبار التراكمات.
لقد نجحت في اعتماد سياسة صدّ الصدمات، وهذا خيار لا يؤتى به إلاّ كبار من الحكماء المجرّبين، الذين اكتنزوا خبرة ومعرفة، لكن منافذ الرياح العاتية تبقى وسيعة مهما ضاقت مسامها، وتستطيع أن تجتاح السهوب، والفيافي، غير عابئة بالخصوصيات، والمحرّمات.
ويبقى صراع الأمم، أشبه بنهر مدرار، متقلّب، يعرف الجميع من أين ينبع، لكنّ أحداً لا يعرف أين يصبّ. وسلطان المصالح غالباً ما كان يهزأ بالتاريخ ويعتلي صهوته، ويستخّف بالجغرافيا ويدكّ حصونها، ويبدّل الحدود، ويزيل الشواهد. وما يجري في أوكرانيا ليس النموذج الفريد من نوعه، لأن ما هو حاصل في المحيط العربي ـ الشرق أوسطي، قد يكون الأدهى، بعدما حوّله صراع المصالح الى حقل اختبار، ومسرح مفتوح أمام الجبابرة المتهافتين على خيرات الأمة، وثروات شعوبها.
والمسألة هنا لا تقتصر على الداخل العراقي، وما يصول ويجول في جنباته، ذلك أن أهل مكّة أدرى بشعابها، ومن في الداخل يعرف جيداً المصنع، والمصنّع، ومجلس الإدارة، والخبراء الفنيّون، والعمّال المهرة في فنّ الإنتاج، والتسويق. لكن المسألة هنا تشطّ بعيداً نحو الدور الأميركي الذي دخل منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، على متن الدبابة إلى بغداد، بحجة اجتثاث أسلحة الدمار الشامل، وقد اعتراف في ما بعد أن السلاح كذبة تعمّدها كتأشيرة دخول، ليتحوّل دوره في ما بعد الى أدوار، تحاكي سلسلة من الأهداف المرسومة للفتك بالبلاد، والعباد، والإمساك بمفاصل الإقتصاد، والسيطرة على منابع النفط، والتحكم بالثروات، وإلهاء الشعب من بابه إلى محرابه بصراعات فئويّة متناسلة متكاثرة تنزلق من آكام المآسي على المنحدر المنبسط نحو الجوار، والكويت جار، وإن إرتفعت مداميك الحكمة والحصانة، وسدود الترفع، وحسن التموضع.
وخارج معادلة العراق “المتأثر، والمؤثر”، هناك المحيط الإيراني الهادر بالمفاجآت التي تزيد من منسوب الخشية والارتياب.
وليس الكلام محصوراً هنا بتوصيف العلاقة القائمة ما بين الكويت وإيران، والتي يصفها البعض “بالسويّة القائمة على توازنات دقيقة”، بل يتجاوزها إلى توصيف الأمر الواقع الطافح بالحسابات والتوقعات.
تستلقي الكويت على فراش هدنة مستقرّة، لكنّها تسند رأسها إلى وسادة من الهواجس المربكة. إيران اليوم، فاعلة، ومؤثرة من المحيط إلى الخليج، ولها أذرع طويلة تلهو أصابعها بملفات عربيّة، وإقليميّة، وتبعثر أوراقها، وتعبث بمحتوياتها. وإيران اليوم صاحبة ثروة غازيّة، ونفطيّة لا يستهان بها، وهي محطّ انظار الغرب الأميركي ـ الأوروبي ـ الدولي، بعد “جائحة” أوكرانيا، والحاجة الملحّة الى مورد بديل عن الغاز الروسي. وهي اليوم الشغل الشاغل للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، وسط توقعات عن امتلاكها سلاحاً انشطارياً في المستقل القريب، ودخولها النادي النووي من الباب الواسع.
إن اليقظة الدائمة، والحذرة مطلوبة لمواجهة أي طارىء غير متوقع في ذروة المفاوضات الصعبة حول العودة إلى الإتفاق النووي بمعايير جديدة يفرضها أمن إسرائيل من جهة، والمصالح الغربيّة من جهة أخرى.
ويبقى السؤال مكلفاً حول موقع الكويت من الحديقة الخليجيّة، وتحديداً المملكة العربيّة السعوديّة التي تدير أمورها قيادة شابة أحدثت الكثير من المتغيرات الجذريّة في المجتمع السعودي.
كانت الكويت رائدة مجلس التعاون الخليجي بديمقراطيتها، ودستورها، وانفتاحها، وتنوع شعبها، وإنجازاتها العمرانيّة. اليوم، يدور حديث كويتي عن الإنجازات التي حققها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان داخل المجتمع السعودي المحافظ. وحديث عن دولة الإمارات العربيّة المتحدة التي دخلت نادي الفضاء الخارجي بمركباتها. وحديث عن قطر التي تستضيف حدثاً رياضيّاً تاريخيّاً عالمياً هو موضع اهتمام الدول في رياح الأرض الأربع. وحديث عن مملكة البحرين، وسلطنة عمان، ومسار الاستقرار، والازدهار، والرؤى المستقبليّة المستندة إلى خارطة طريق واضحة المعالم.
لقد خاضت الكويت مؤخراً، تجربة ديمقراطيّة رائدة، تحت شعار “تصحيح المسار”، وحصدت المعارضة مكاناً متقدّماً في مجلس الأمة الجديد، كما استعادت المرأة حضورها، ومشاركتها في الحياة العامة، على أمل أن تكون الإنتخابات التشريعيّة بداية تحوّل جدّي نحو “تصحيح المسار”، وتأتي الطموحات على قدر التمنيات.