لم تأتِ حادثة مقتل 4 أشخاص في طرابلس، من خارج سياق فلتان أمني يستبيح عاصمة الشمال.
الضحايا الأربعة الذين سقطوا في محل لبيع الهواتف الخليوية، في وسط المدينة، انضمّوا إلى قافلة طويلة من ضحايا الإشكالات الأمنية، والتي كان آخرها قبل أيام قليلة فقط، وأدت إلى مقتل امرأة بإشكال بين زوجها وعدد من الأشخاص.
إطلاق النار اليومي، وبشكل علني، والإشكالات المتنقّلة، والسلاح المتفلّت، أعطى انطباعاً أن طرابلس خارج الدولة، مع أن رئيس الحكومة من طرابلس، ووزير الداخلية من طرابلس أيضاً!
هناك مَن “ينظّم الفوضى” ويُشغّل الزعران ويستثمر بالدم في طرابلس. لغاية في نفسه، ولأهداف سياسية وتصفية حسابات ومصالح شخصية.
بعد كل إشكال، وبعد كل ضحية، وبعد كل مسيرة علنية بالسلاح، وبعد كل ورشة إطلاق رصاص في الهواء… تحضر الدولة، لكن الجريمة وقعت، والضحايا سقطوا، والرصاص أقلق المدينة، والسلاح المتفلّت أرعب الناس.
لا يمكن الاقتناع بأن ما يحصل في طرابلس هو من باب الصدفة.
يستحيل أن يكون مسلسل الدم والخوف والرصاص والاستعراضات المسلّحة، من دون مايسترو ـ أو أكثر ـ يدير هذه “الفوضى”، ويتحكّم بمسارها، ويستثمر بأرواح الناس وأمن طرابلس.
كادت المدينة أن تنزلق مجدداً إلى أتون الفتنة بين التبانة وجبل محسن، مع العلم أن الضحايا الذين سقطوا في الجريمة ـ المجزرة التي حصلت في منطقة التلّ، هم من السنّة ومن العلويين! هم يعملون معاً في المحل نفسه. أصحاب المحل علويون وسقطوا ضحايا، والعاملون معه سنّة وسقطوا ضحايا. اختلطت دماؤهم جميعاً بجريمة واحدة ارتكبها من يريد العبث بأمن المدينة، ومن يقف خلف الفاعلين الذين نفّذوا الجريمة ـ المجزرة.
لقد أصبح صوت الرصاص “طبيعياً”. وأصبح سقوط القتلى “عادياً”. وأصبح السلاح “زينة” الزعران الذين أفلتوا من عقالهم يسرقون ويستبيحون شوارع طرابلس ومنازلها وسياراتها ومحلاتها التجارية وشوارعها، ليلاً ونهاراً، ومن دون رادع!
غابت الدولة بالكامل عن طرابلس، فحكمها وتحكّم بها مسلحون وتجار و”أمراء الشوارع”، ومن خلفهم “أمراء السياسة”.
غابت الدولة عن طرابلس، فاستفرد بها “أمراء المولّدات” الذين يفرضون تسعيرتهم وتقنينهم وقانونهم، مدعومين من مأجورين يعملون على ترهيب الناس وكل من “يستيقظ” ضميره من بينهم… بينما الدولة غائبة، أو شاهدة، وأحياناً “شريكة” ولو بـ 10 أمبير!
بعد كل ضحية تسقط، وبعد كل إشكال مسلّح، “تستعرض” الدولة قوتها… لكن هذا الاستعراض أصبح من دون فاعلية، طالما أنه أشبه بحركة انفعالية لا تلبث أن تهدأ، ثم تعود الدولة للإنكفاء تاركة الأرض والشوارع مسرحاً ومرتعاً لأولئك الذين يفرضون قانونهم على المدينة، ليس بقوة سلاحهم فقط، وإنما بحكم الفراغ.
مسلسل الضحايا لن يتوقّف، إلا عندما تقرّر الدولة، والأجهزة العسكرية والأمنية، كل الأجهزة، وقف توظيف الأزعر برتبة “مخبر”، والتوقف عن حمايته بحجة استخدامه!
مسلسل الإشكالات المتنقّلة سيستمر، طالما أن بعض القوى السياسية، من خارج طرابلس، تتنافس على استمالة الأزعر، وترفع “سعره”، وتموّله بالسلاح والرصاص، وتدفع له بالـ”فريش دولار”!
مسلسل الفوضى لن يتوقّف، إلا عندما يتوقف السياسيون في طرابلس عن تمويل ورعاية الزعران، بحجة أنهم يأمنون جانبهم من “الزعرنة” عليهم!
في أيام الفراغ الدستوري والرسمي، وفي عصر الخواء السياسي والفكري، وفي زمن تحلّل الدولة، وفي مرحلة الاستثمار بالدم من أجل المكاسب والمناصب والكراسي والطموحات والمنافسات وتصفية الحسابات… يبدو أن طرابلس تدفع الثمن مجدداً، لأن هناك من يريدها ساحة وليس قلعة، ومن يستخدمها بدل عن ضائع في خطوط التماس التي يرمون أكياس رملها في طرابلس لتكون متاريس حروب بعيدة عن منازلهم!
هكذا تصبح طرابلس، مخطوفة، رهينة، أسيرة… والدولة هي حارس السجن!
بالفيديو: هكذا حصلت جريمة طرابلس!