| غاصب المختار |
بدأت القوى السياسية اللبنانية تتصرف، بعد المتغيرات الجذرية في سوريا، بطريقة مختلفة كلياً في تعاطيها مع الاستحقاقات الداخلية، لا سيما لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، وفي ترتيب علاقاتها مع القوى الاقليمية وبخاصة مع دول الخليج وايران.
وذهب بعضها، من خصوم المقاومة وإيران و النظام السوري السابق وحتى من بعض المستقلين، إلى اعتبار أن “محور الممانعة والمقاومة” قد خسر، وأن اميركا وحلفاءها، وبخاصة “إسرائيل”، هي من ربحت المعركة. بنوا حساباتهم السياسية والرئاسية على هذا الأساس، معتبرين أن أميركا هي من سيقرر مصيردول الشرق الأوسط، بما فيها لبنان.
ويقول نائب مستقل لموقع “الجريدة” في هذا المجال: “إن ايران خرجت من سوريا، وضعفت في لبنان بعد حربي غزة والإسناد من لبنان نتيجة ضعف حركة حماس في غزة والتوجه الدولي لإيجاد جهة سياسية بديلة عنها تدير القطاع. ونتيجة خسائر حزب الله في لبنان… وروسيا تخفف وجودها في سوريا، وقد تنسحب منها نهائياً اذا ما توصلت إلى صفقة أو تسوية مقبولة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب حول الحرب في أوكرانيا. والعراق أخذ موقف الحياد وقرر حماية نفسه وحدوده من خطر التنظيمات الإرهابية في سوريا. حتى تركيا أصبحت لاعباً إقليمياً كبيراً ومؤثراً أكثر من ذي قبل، بعد دعمها المباشر والواضح للفصائل المسلحة السورية ما مكنّها مع الدعم الأميركي من إسقاط النظام والسيطرة على البلاد، وباتت إسرائيل مطلقة اليد في لبنان وسوريا والمنطقة.. والدور آتٍ على اليمن”.
ويرى النائب المستقل أن “حزب الله، بموافقته على اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب، والذي ينص على عدم التواجد المسلح جنوبي نهر الليطاني، أقرّ ضمناً بعدم مهاجمة إسرائيل بعد الآن، والانخراط كلياً في العمل السياسي والنيابي والحكومي، على الأقل حتى إعادة بناء ما هدمه العدوان الاسرائيلي في مناطق لبنان الواسعة، وهو أمر يستغرق سنوات، وحتى تحقيق الاستقرار في لبنان المرتقب في الربع الأول من العام الجديد”.
لكن ثمة رأي يقول إن “محور الممانعة” حقق الانتصار بأن حافظ على وجوده بوجه حروب الإلغاء والتصفية التي تعرض لها، وهو أمر يُمكّنه من الاستمرار في الحضور السياسي والشعبي، من لبنان إلى إيران فالعراق، ما يعني أن تأثيره السياسي والعسكري ما زال قائماً، وأن إمكانياته في تخريب أو تعطيل أو عرقلة المشاريع الأميركية، قائمة في حال لم تتوافق مع مصالح أطراف هذا المحور. أو على الأقل، هناك إمكانية لإشاعة فوضى بوجه محاولات السيطرة الأميركية ـ الاسرائيلية على المنطقة، بما يجعلها عاجزة عن تحقيق كل ما تريد.
ويبدو ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وغيره، بدأوا يبنون على هذه المعطيات التي قلبت كل وضعية الشرق والأوسط ولبنان سياسياً في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، لكنهم اصطدموا بتركيبة لبنان التي لا تسمح بتجاوز أي مكوّن طائفي وسياسي. وعلى هذا، يرى النائب المستقل أن “موضوع الميثاقية لا بد أن يتوافر لأي مرشح للرئاسة، فلا رئيس من دون ميثاقية إسلامية، وبخاصة شيعية، كما أنه لا رئيس من دون ميثاقية مسيحية”. ولذلك يقول النائب المستقل لموقع “الجريدة”: “إن أيّاً من المرشحين الحاليين، حتى الجدّيين منهم، لا يملك حتى الآن أغلبية الاصوات للفوز، لا بنصاب 86 صوتاً ولا بنصاب 65 صوتاً”.
هذا ما يُفسّر استمرار حركة المشاورات والاتصالات غير المباشرة، خلال العطلة بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة وما بعدها، وصولاً إلى توافق قد يحصل في اليوم الأخير السابق لعقد جلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني المقبل.
وفي كل الأحوال، لا بد من انتظار انقشاع ضبابية المشهد السوري، وعلى أي برّ سيرسو السوريون، وكيف سيكون تأثير النظام الجديد على أوضاع المنطقة، إذا استطاع تركيزنفسه وأنهى خلافات الفصائل المتعددة التوجهات والانتماءات، وأقام حكما مركزياً يضم كل المكونات السورية.