| مرسال الترس |
مرّت معظم الشعوب بصراعات وحروب طاحنة، قبل أن تستطيع تكوين أنظمتها التي قد تكون عرضة في ظروف لاحقة إلى التعديل أو التغيير.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، الولايات المتحدة الأميركية التي هي اليوم أعظم دول العالم، شهدت بعد استقلالها في العام 1776 أعتى الحروب الأهلية والأكثر دموية في تاريخ الدولة، واستمرت لأربع سنوات بين الأعوام 1861 و1865.
أما سويسرا، التي يتغنى بها العالم كدولة محايدة وراقية، فقد شهدت العديد من الحروب والصراعات بين كانتوناتها، ربما لنحو أربعمئة سنة، قبل أن تستقر على ما هي عليه اليوم.
أما في عصرنا الحالي، فهناك عشرات الدول التي تشهد صراعات داخلية بين مكوناتها من أجل إعادة النظر في سلطتها، ومن هذه الدول لبنان الذي رغم مرور ثمانية عقود على استقلاله فقد شهد صراعات وحروب داخلية عدة، نتيجة الطوائف والمذاهب المتعددة فيه، والتي تحاول كل منها الاستئثار بالحصة الأكبر من الحكم، مع العلم أن جميعهم أقليات كما يشير الباحثون في أكثر من مجال تاريخي.
ورث الموارنة من المستعمر الفرنسي “الأم الحنون” معظم مقاليد السلطة في العام 1943، واتهموا بأنهم لم يتركوا سوى الفتات للطوائف الأخرى، حتى جاء اتفاق الطائف في العام 1989، بعد حروب وصراعات متنوعة امتدت لعقد ونصف، لنقل “الكرة الذهبية” إلى حضن الطائفة السنية التي لم تدم بين أيديها سوى إلى العام 2005، حين استشهد رئيس الحكومة رفيق الحريري، وبدأ أفول تأثير الطائفة تدريجياً نظراً لتفككها وتفرعها، في وقت بدأت الاتهامات توجه إلى المكّون الشيعي بأنه وضع يده على مفاتيح الدولة المحورية عبر خطين: الأول من خلال ترؤس رئيس حركة “أمل” نبيه بري لمجلس النواب منذ العام 1992، ممسكاً بتلابيب القوانين وتنفيذها، وآخرها تأخير الدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية، فيما تولى الخط الثاني “حزب الله” عبر تملّكه السلاح النوعي تحت شعار المقاومة لمحاربة العدو الاسرائيلي.
اليوم، وبعد “طوفان الأقصى” و “حرب الاسناد” اللذين انطلقا في السابع من تشرين الأول 2023، وبعد الحرب التي بدأتها “إسرائيل” على لبنان في السابع عشر من ايلول الماضي، والتي أدت الى استشهاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله وهيئة أركان حربه، والتدمير الممنهج لأكثر من منطقة لها علاقة بالطائفة الشيعية في لبنان، تعمل دول خارجية وإقليمية على تثبيت وقف إطلاق النار عبر صيغ مختلفة ومتداخلة، أهم بنودها نزع الصفة العسكرية عن “حزب الله” ودفعه إلى العمل السياسي في أفضل الظروف.
فهل يحل السلام بعد كل هذه الصراعات ويرى اللبنانيون مثلاً الأمين العام لـ”حزب الله” أو نائباً من الحزب، رئيساً لمجلس النواب، في الآتي من السنوات، ليعزز انخراط “حزب الله” في الدولة التي يجب أن تحمي ظهور جميع أبنائها، بدل مقولة “الشعب والجيش والمقاومة”، وتصبح الدولة بكل مقوماتها مقاومة للعدو قبل أن يحين زمان التطبيع؟