| جورج علم |
يتناوب الغيارى على رعاية “الوطن المعاق”. من “اللجنة الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة”… إلى “اللجنة الدوليّة” برئاسة الولايات المتحدة وعضويّة فرنسا، مع هامش مفتوح أمام آخرين للإنضمام. أما المهمّة الموكولة، فوقف الدمار، واسترجاع الجنوب من أشداق الحديد والنار، وترتيب مواصفات “اليوم التالي للبنان ما بعد الجائحة”…
تميل الريح، فينعطف المركب المتهالك نحو شاطئ، يُقال إنه واعد إذا ما صدقت الحسابات، وصفت النيات، واتخذ القرار النهائي بإنقاذ ما تبقى، قبل أن تكتمل نبوءة المفوّض الأعلى للسياسة الخارجيّة والأمن في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي حذّر من أن “لبنان على شفير الإنهيار”.
جاء في تقارير رسميّة، أن الدبلوماسي الروسي الرفيع، والضليع بشؤون لبنان والمنطقة، ميخائيل بوغدانوف، قوله في مجلس خاص ضمّ سفراء عرب: “إن من مصلحة لبنان التشبث بعضويّة الترويكا العربيّة، مصر والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر، في أي هيئة دوليّة يمكن أن ترعى مسار التهدئة إنطلاقاً من الجنوب حتى العاصمة بيروت، وانطلاقا من العاصمة نحو المؤسسات الرسميّة لملء المراكز، ووضع حدّ للفراغ”.
واستناداً إلى ما تقدم، لا يجوز ـ ولا مصلحة للبنان ـ أن يبقى الكلام حكراً على دور أميركي ـ فرنسي، وقد احتلّ هذا “الثنائي” الفضائيات، واستولى على التحليلات، والإجتهادات المتصلة بالشأن اللبناني ـ الجنوبي، فيما غابت “الترويكا” العربيّة: مصر والسعوديّة وقطر، عن المداولات، وكأن المجهول قد حلّ ضيفاً في مضاربها، ليفرض تجاهلاً تاماً “بالصوت، والصورة، والمنشورة” حول طول باعها، ومتن ذراعها.
مصر، الحريصة على البيت اللبناني، تعرف سلفاً أنه بمنازل كثيرة، طائفيّة، ومذهبيّة، وفئويّة، مفتوحة على ولاءات، وارتباطات، وتحالفات تمليها مصالح فئويّة، ومنافع جهويّة حصريّة. ولأنها تعرف، وقفت، وتقف في ساحة جامعة الدول العربيّة، وكل الساحات الدوليّة الأخرى، من الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن إلى الإتحاد الأوروبي، إلى… لتقول إن هذا البلد قبل أن يكون مرتع نفوذ أميركي، أو فرنسي، أو أعجمي، هو عربيّ الولاء والإنتماء، وصاحب دور، ورسالة، وقيمة مضافة في الإشعاع، والإبداع. إنه واحة ثقافيّة، قبل أن يكون بئر غاز هائمة في مياه الناقورة، أو رقماً إفتراضيّاً في بورصة الطاقة تتهافت نحوه الصقور النهمة للإستثمار، تحطّ في برّه وبحره، وتمعن في تهبيط حيطانه، وتشليع أبوابه، للإستيلاء على خيراته وثرواته.
لمصر، كما للجامعة العربيّة، وأمينها العام، الدور المحفّز لتغيير وجهة المركب اللبناني نحو شاطىء الأمان، بدلاً من استمراره ألعوبة تعركها أنواء التجاذبات الإقليميّة ـ الدوليّة على حساب وحدته، ودوره، ومصيره.
يذكر اللبنانيّون القاهرة “بفضائل” كثيرة، أبرزها ثلاث: دعمها للجيش اللبناني من دون تحفّظ. ومساهمتها ضمن “الخماسيّة” في كشح الفراغ عن المؤسسات الدستوريّة من خلال الإصرار على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وتشكيل حكومة قادرة على جبه التحديات. وحرصها الدائم على وحدة الأرض، والشعب، والمؤسسات، وصيغة العيش المشترك، كضمانة للسلم الأهلي.
أما المملكة العربيّة السعوديّة، فقد خصّت لبنان بفقرة تصدّرت وتتصدّر البيانات الرسمية الصادرة عن كل الإجتماعات والمؤتمرات التي تترأسها، أو تلك التي تشارك في أعمالها. وتذكّر هذه الفقرة بالثوابت، والمرتكزات الضامنة للكيان اللبناني، والتي يفترض أن تستمر ـ من وجهة نظرها ـ وتتحصّن، وتزداد قوّة ومنعة، للحدّ من النزوات النهمة التي تتقمّص بشعارات شعبويّة ـ فئويّة، هدفها الإحتواء، وفرض الهيمنة بهدف “تصحيح التاريخ”، وتوسيع الجغرافيا.
وتتمسّك المملكة بـ”الطائف” كممر إلزامي كي يبلغ لبنان رحاب الإستقرار، ويتخلّى عن السيوف المذهّبة ببريق الولاءات، والإنقسامات، ويلتحق بورش الإعمار لإعادة بناء مستقبله على أسس متينة محورها دولة قويّة قادرة وعادلة، منفتحة على الشرق والغرب، وفيّة للأشقاء، ونديّة في علاقاتها مع الأصدقاء.
تعود المملكة مع الطائف إلى لبنان ـ وهي أساسا لم تغادره ـ في ذروة التنافس المحموم على الإمساك بمقدراته تحت شعار وقف الحرب، والإحتكام إلى هيئة دوليّة برئاسة الولايات المتحدة، وظيفتها المعلنة مراقبة تنفيذ مندرجات القرار الأممي 1701، فيما وظيفتها المضمرة فرض وصاية مقنّعة على المرحلة الإنتقاليّة، وما قد يلازمها من خيارات ومفاجآت قد لا تكون سارّة!
أما قطر فكانت الحضن الحاضن لأهل لبنان في مؤتمر الدوحة، والحضن الحاضن للمؤسسة العسكريّة في عزّ الأزمة الماليّة ـ الإقتصاديّة ـ المعيشيّة التي تحاصر اللبنانيّين. والحضن الحاضن للمبادرات الهادفة إلى ترتيب طاولة حوار يلتفّ حولها “قبضايات” لبنان، لإنقاذ ما تبقى قبل فوات الأوان.
كان هناك دائماً على خطّ الدوحة ـ بيروت كوكبة من المسؤولين، والموفدين الرسميّين للعمل على ردم الهوّات، وتضييق المسافات، والحدّ من التباينات بين “أمراء الطوائف”، للوصول إلى جوامع وطنيّة إنقاذيّة مشتركة… ولكن!
أما، وقد دخل اللبنانيّون مرحلة حبس الأنفاس، والتفاعل مع ما قد يحمله الغد الآتي من مخارج، وخيارات، ومفاجآت، يبقى الرهان ـ إن أحسنوا الأختيار ـ على “الترويكا” العربيّة، لسببين جوهريّين:
الأول، إن هذه “الترويكا” لا تريد شيئاً لنفسها. فلا مطامع، ولا مطامح لها بلبنان سوى دفء العلاقة، والحرص على المصالح المشتركة.
والثاني، إنها الأعلم بخبايا وخفايا البيت اللبناني، بنواقصه وزوائده، وعاداته، وتقاليده. إنه ـ من نظرها ـ بلد عربي، كما جاء في مقدّمة دستوره. وكان يوماً واحداً من مؤسسي جامعة الدول العربيّة، وهذا يكفي “لحمل الديرة على تقديم العون للعشيرة”.
للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” على “واتس آب” إضغط على الرابط