الرئيس يأتي “فارساً” على “صهوة” الـ1701؟

| جورج علم |

يريد “قائمقام الجمهوريّة”، وبعد سنتين من الفراغ، إنتخاب رئيس للجمهوريّة… وتفاءلوا بالخير تجدوه.. لكن أين؟

الجواب مختصر. التسوية تأتي بالرئيس، وليس الرئيس من يأتي بالتسوية، وهذه لا تزال مغلولة اليدين، مصادرة من قبل الدول التي تنظر إلى لبنان كإمتداد لمصالحها، وليس كوطن يحظى بمقومات السيادة، والإستقلال، وكدولة دستور، وقانون، وعدالة إجتماعيّة.

إختصر الرئيس نجيب ميقاتي، فقال: إنتخاب رئيس توافقي، بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار”. ومن أين نأتي بوقف لإطلاق النار، إذا كان نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قد طمأن اللبنانييّن، والرأي العام بأن “لا وقف لإطلاق النار في الجنوب إلاّ بعد وقف إطلاق النار في غزّة؟!”.

يعوّل ميقاتي على البيان الأميركي ـ الفرنسي ـ الكندي ـ الياباني ـ البريطاني ـ الإلماني ـ الإيطالي ـ السعودي ـ القطري ـ الإماراتي الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإلتزام بهدنة 21 يوماً، يصار خلالها إلى تفعيل الدبلوماسيّة لوضع القرار 1701 موضع التنفيذ.

رفض الإسرائيلي البيان، وقرّر فرض ترتيبات أمنيّة في الجنوب تسمح له بإعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم بأمان. هل يستطيع؟ إنه يحاول عن طريق التدمير والتهجير، وتكثيف الإعتداءات، وتوسيع الجبهات، مدعوماً من الولايات المتحدة، وغالبيّة الدول الموقّعة على البيان. هذا يعني أن “الإزدواجيّة” تصدم التسوية، وتتغلّب عليها. ولو كانت واشنطن، وغيرها من العواصم المؤثّرة، صادقة بتعهداتها، لكانت قد فعلت المستحيل لوضع بيانها موضع التنفيذ. لكن الوقائع والممارسات تؤكد أن الوعود فارغة، وليس في النفق الحالك السواد من بصيص أمل، فيما الأفعال تؤكّد عمق الإلتزام “بأمن إسرائيل فوق أيّ إعتبار آخر”.
ويبقى القرار 1701 الوسيلة والغاية. منه تدخل التسويّة، وإلاّ فالحرب مستمرة لسنة او سنتين، كما يتوقع وليد جنبلاط. وربط المسار اللبناني بمسار غزّة، يعني الرهان على إستمرار إحصاء عدد الضحايا، والجرحى، والمعوّقين، وعدد القرى، والبلدات المدمّرة، وعدّد النازحين في العراء.

تحاول فرنسا إحداث ثغرة في الحائط المسدود. حثّت الولايات المتحدة على صدور بيان التهدئة. عوّلت على مجلس الأمن، ودعت إلى عقد جلسة طارئة تحوّلت إلى مزايدات خطابيّة حول ضرورة وقف النار، وتحريك المبادرات الدبلوماسيّة من دون الإتفاق على الآليّة. وكان تشدّيد على ضرورة إحترام مؤسسة الأمم المتحدة، والقرارات الصادرة عنها… ولما فاض المتكلّمون بما عندهم، أقفل باب القاعة على أمل لقاء قريب!

كانت الحسابات خارج قاعة المجلس، أصدق إنباء من العواطف. الأسابيع الأربعة الفاصلة عن الخامس من تشرين الثاني المقبل، موعد الإنخابات الأميركيّة، مصيريّة. الإدارة الديمقراطيّة عاجزة عن إتخاذ أي موقف يحدّ من جموح نتنياهو.

الديمقراطيّون والجمهوريّون يتنافسون على كسب ودّ الصوت اليهودي، وهذا بدوره يصوّب بوصلته الإنتخابيّة بإتجاه من يؤمن “مصالح إسرائيل التوراتيّة”.

ونتنياهو، بدوره، لا يريد القرار1701. لا يريد أن يأتي أحد على ذكره. يريد أن يبقى مهيمناً على النقاط التي يحتلّها على طول الشريط الحدودي. يريد إجتياح الجنوب ـ إذا ما إستطاع ـ ليصل إلى الليطاني، ويستفيد من مياهه، ويفرض الترتيبات الأمنية التي تتفق وتتوافق مع مصالح “إسرائيل الكبرى”. يرى أن الفترة الفاصلة عن الإنتخابات الأميركيّة، فرصة ذهبيّة يحاول إستثمارها بمختلف الوسائل للحصول على أكبر دعم أميركي ممكن لتحقيق طموحاته.

راعي “محور الممانعة” لا يريد القرار 1701، لأن تطبيقه يعني تقليص نفوذه على المتوسط، من دون الحصول بالمقابل على إنجازات أو ضمانات تعوّض عليه جزءاً من هذه الخسارة الإستراتيجيّة.

“حزب الله”، وحتى إشعار آخر، لا مصلحة له في هذا القرار، لأن تطبيقه سيفقده حصرية التفرد بقرار الحرب والسلم، وسيلزمه بالتخلي عن سلاحه، وحلّ جناحه العسكري، وتحوّله إلى حزب سياسي، كغيره من الأحزاب اللبنانيّة، وسيحوّل المنطقة التي تشكّل ملعبه الحيوي إلى شريط حدودي منزوع السلاح غير الشرعي، وبعهدة الجيش اللبناني، وقوات “اليونيفيل”.

وحدها الدولة اللبنانيّة، وما تبقى لها من رموز ومؤسسات رسمية، لها مصلحة في تطبيق القرار 1701، وهذا التطبيق يحتاج إلى تسوية دوليّة ـ إقليميّة كبرى، وعندما تتوافر عناصرها، ويتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة مجلس الأمن الدولي، عندها يفتح الباب المحلي لإنتخاب رئيس توافقي يكون جزءاً متممّاً للتسوية، ومتعهّداً محلّفاً في تنفيذ المشاريع المطلوبة من لبنان وفق دفاتر الشروط الدوليّة.