“خيار ثالث”: القرار 1701 على متن البوارج؟

| جورج علم |

طرحت الولايات المتحدة “الخيار الثالث” على حلفائها الأوروبيّين المشاركين في عديد القوات الدوليّة العاملة في الجنوب” فرنسا، إلمانيا، إيطاليا، إسبانيا… ويستند هذا الخيار إلى دعامتين:

الأولى ـ أوسع توافق دولي ـ إقليمي حول دعم تطبيق القرار الأممي 1701.

الثانيّة ـ أن يفوّض مجلس الأمن الدولي قوات “اليونيفيل” مهمّة التنفيذ، على أن ترسل الولايات المتحدة أسطولها إلى البحر المتوسط للدعم، والمؤازرة.

وأطلقت دوائر التخطيط الأميركيّة هذا الإسم “الخيار الثالث” كحل وسط بين ما يريده رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو لجهة تغيير قواعد الإشباك في الجنوب، عن طريق التدمير والتهجير، وفرض “ترتيبات أمنيّة” بالقوة، تسمح بإعادة المستوطنين إلى المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان. وبين ما يريده الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، لجهة الإصرار على “قواعد الإشتباك”، والتأكيد على وقف إطلاق النار قي غزّة، كشرط لوقفه في الجنوب.

ما يشجّع المجتمع الغربي ـ الدولي على تبنّي هذا “الخيار”، أن الطرفين لا يريدان تطبيق القرار 1701. لا نتنياهو شغوف به ويعتبره من أولوياته، ولا يندرج كأولويّة مطلقة على أجندة “حزب الله”.

يضاف إلى ما تقدم، أن الجلسة الخاصة بلبنان، والتي عقدها مجلس الأمن، يوم الجمعة الماضي، كانت في غاية الأهميّة. صحيح أنه لم يتم توافق بين الأعضاء، حتى على صدور بيان ختامي يستنكر الخرق الإسرائيلي لأجهزة الإتصال التابعة لـ”حزب الله”، لكن الصحيح أيضا أنه أطلق نقاشاً صريحاً لأول مرّة حول ما تبقى من نفوذ للمرجعيّة الأمميّة في فضّ النزاعات، وغياب الهالة المعنويّة لمجلس الأمن في وضع القرارات الصادرة عنه، موضع التنفيذ.

وفتح هذا النقاش الباب على النشاط المكثّف الذي ستشهده نيويورك هذا الأسبوع، حيث سيلتقي قادة العالم في مقرّ الأمم المتحدة، بمناسبة انعقاد الجمعيّة العموميّة السنويّة لمناقشة الملفات الساخنة، إنطلاقاً من أوكرانيا، إلى غزّة، وجنوب لبنان، مروراً بالبحر الأحمر، وصولاً إلى بحر الصين.

وتنطلق فرنسا، العضو الأكثر حماساً في مجلس الأمن للدفاع عن سيادة لبنان خلال جلسته الأخيرة، من “قناعات ومسلّمات”:

أولها: ما الفائدة من توسيع عضوية المجلس، وتوسيع هامش الدول التي تتمتع بحق النقض “الفيتو”، إذا كان مغلول اليدين، عاجزاً عن وضع القرارات التي يتخذها موضع التنفيذ، وتحوّل إلى “حائط مبكى” أو “منبر خطابي”، عكس الحاجة والضرورة التي أوجبت قيامه لضمان السلم العالمي؟

الثانيّة: تلتقي فرنسا مع الولايات المتحدة على أن لا حلّ في غزّة، طالما أن “جبهات المساندة” مشتعلة، وطالما أن الرغبة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الجنوب تصطدم بالرغبة المشروطة الداعية إلى وقف إطلاق النار في غزّة أولاً. وقد عكس “النداء المشترك” الذي صدر قبل أيام عن وزيري خارجيّة البلدين، أنتوني بلينكن وستيفان سيجورنيه، مدى التنسيق بينهما، والتطابق في وجهات النظر حول ما يفترض أن يكون عليه “اليوم التالي” في لبنان، وإنطلاقاً من الجنوب.

الثالثة: لم تبدِ طهران رغبة في التصعيد، ولا الدخول في حرب مفتوحة مع “إسرائيل”. لقد اعتمدت دبلوماسيّة “الصبر”.

لم ترد على إغتيال إسماعيل هنيّة، ولم تتخذ قراراً بالوقوف جنباً إلى جنب “حزب الله” في المواجهة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها، وكان سفيرها في بيروت في عداد المصابين. بل على العكس هناك محاولات لفتح باب الحوار على مصرعيه مع الغرب الأميركي ـ الأوروبي حول البرنامج النووي، وسائر الملفات الأخرى المعقدة. وكان المسؤول عن السياسة الخارجيّة والأمن في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد أعلن قبل أيام أن الإتحاد تلقى رسائل من طهران تعبّر عن الرغبة في الحوار.

الرابعة والأهم: إن لبنان غير غزّة، وربط القاطرة اللبنانيّة بالقطار الغزّاوي خطأ إستراتيجي كونه يخدم مصالح العدو الإسرائيلي، ومخططاته التوسعيّة التدميريّة، من دون ان يقدّم أيّ مردود إيجابي لصاحب القرار والشعار.

وبمعزل عن هذه المقاربة، فإن الفرنسي والأميركي متفقان على أن لبنان لا يمكن أن يكون “غزة ثانيّة”، وإذا قررّ نتنياهو إعادته إلى “العصر الحجري” معتمداً على تفوّق سلاحه، لا يبقى لبنان، بل يتحوّل إلى “فسيفساء مفكّكة الأوصال، وأحجار مبعثرة مقاطعات، وإقطاعيات”، وهذا ما يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، والغرب الأوروبي، الحريص على أن يبقى جسر عبور، وواجهة ثقافيّة حضاريّة مشرقيّة على المتوسّط. وللحيلولة دون ذلك كان تفاهم مبدئي على إطلاق “خيار ثالث” يتقدّم على ما يريده “حزب الله”، وما يسعى إليه نتنياهو. خيار يقوم على تنفيذ القرار 1701 وفق خريطة طريق تأخذ بعين الإعتبار، في مراحلها الأولى، إقناع الطرفين أو إرغامهما على الإقتناع بـ”لائين”: لا لإعادة لبنان إلى “العصر الحجري”، وتحويله إلى “غزّة ثانيّة”. ولا لربط مصير لبنان، بمصير “حماس”. والإنطلاق بـ”اللائين” إلى تكوين أوسع توافق دولي حول ضرورة تطبيق القرار 1701، وإعادة الإعتبار المعنوي لمؤسسة مجلس الأمن الدولي، واحتمال دعوته لعقد إجتماع طارىء، إذا ما اقتضت الضرورة، لتفعيل مهمّة “اليونيفيل”، ومدّها بالدعم اللازم لوضع القرار موضع التنفيذ على أرض الواقع.

آخر المعلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة تعوّل على مساع باشرت بها لتنفيذ هذا القرار، وأن حاملات الطائرات التي وجّهتها إلى مياه البحر المتوسط، إنما تأتي لتنفيذ مهمّة مزدوجة: منع نشوب حرب واسعة. وتوفير البنية التحتيّة المطلوبة لتنفيذ القرار 1701.