مجزرة بحق المدنيين في الضاحية.. وضحكة نايا عالقة في أذناي!

| خلود شحادة |

عشرون ساعة من البحث المتواصل بين الركام عن مفقودين.

مشهد يعيدك بالذاكرة، إلى اجتياح 1982، ومجزرة قانا 1996، ومجزرة الشياح 2006، عندما تذرّع العدو الاسرائيلي بذرائع عسكرية، لينهي حياة أطفال ونساء، ويمحي عائلات بأكملها من سجلات النفوس.

إجرام وهمجية معهودة لهذا الكيان المدعوم دولياً وعربياً، لسفك دماء اللبنانيين والفلسطينيين وكل حرّ رفض الذل، واشترى كرامته بدمائه.

المستشفيات امتلأت، الجرحى بالعشرات، وعداد الشهداء يرتفع، مع استمرار البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، ومعظهم من الأطفال.

والجرح، للأسف، سيتعمّق أكثر، كلّما تعمقوا بالبحث عن المفقودين.. ويبقى الأمل معلّق بمعجزات الله لسحبهم أحياء!

أعلم جيداً لوعة الإنتظار، كيف يبقى الفرد وحيداً، يحلم أن يكون الحجر المكوّم فوق أجساد الذين يحب، أرأف عليهم من عالم ظالم.

أعلم جيداً، ماذا يعني إخبارك أن من تحب ما زالوا تحت الردم، وما هي الأسئلة التي ستتبادر إلى ذهنك، عن حاله، وكيف يا ترى يتلقى التراب بعينيه، ومتمسكاً بفرصة بقائه على قيد الحياة مهما انعدم الأمل بذلك..

أعلم جيداً، لأننا ذقنا الشعور ذاته، عندما كان بنك أهداف العدو الاسرائيلي فاطمة، ابنة عمي، وبناتها ذات السنوات الست لأكبرهن، وبقين تحت الركام لثلاثة أيام.

أعلم وجع الانتظار على أبواب المستشفيات، والبحث بين مستشفى وآخر عن اسم تفضّل أن يقولوا لك غير موجود على أن تسمع كلمة “العمر إلك..”!
مشهد ليس بجديد أمام المستشفيات، قد عايشناه مراراً خلال مرحلة التفجيرات، ولا فرق من يكفّرني باسم الدين والذي يكفّرني باسم الوطن..

أكثر من 19 شهيداً.. مجزرة بحق المدنيين، جمعت كل أشكال الارهاب والاجرام والقتل، ولكنها ليست رجلاً من ذات البشرة الداكنة، ولا اعتداء على برج أميركي، حتى تستفيق وتستنكر الانسانية المزدوجة والكاذبة، لتقول نريد العدالة، والاقتصاص من القاتل.

انها ليست قضية رجل مسلم قتل أحدهم، ليستنفر العالم لمحاسبته، غزة أبيدت ولا من يجيب، ولبنان ينزف، ولا من يسمع!

كل الروايات الاسرائيلية، لا تعنيني، لا أتبناها ولا أقرأها، لا يعلق برأسي سوى صرخات الأهل المنتظرين أجساد أبنائهم القائلة “يا الله دخيلك”..

لم أسمع صوت الطائرات ليلة أمس، رنين ضحكة الطفلة المفقودة “نايا” لا يفارق مسمعي.

ولا أكف عن التفكير، عن اللحظة التي قضت بها العائلة الكاملة المؤلفة من 4 أفراد، ماذا كانت لحظاتهم الأخيرة؟

هل كانوا يجتمعون على طاولة الطعام؟ أم يعدّونه في المطبخ؟

أم يجلسون سوياً في غرفة واحدة، يحضّرون أغراض أصغرهم سناً لدخول المدرسة؟

أسئلة، واستفسارات، لا تترك لي المجال لمعرفة بنك أهداف العدو، لأنّي رأيته بعيني.. بنك أهدافه، أن نيأس ونُهزم. إلّا أنه لا يدري أن هذه المشاهد والأصوات والدموع، تجعل ثأرنا معه أكبر!