تصوير عباس سلمان

“الملح” بين كليمنصو وعين التينة “يذيب” الجليد مع “الحارة”؟

/ خلود شحادة /

العرس في كليمنصو، والفرحة في عين التينة. كيف لا، وقد اجتمع تحت سقف واحد، حليف الرئيس نبيه بري التقليدي، وليد جنبلاط، وشقيقه “حزب الله”، لتسود بينهما لغة الحوار، وهي اللغة التي يتقنها “الأستاذ” جيداً، ويسعى أن يتخاطب بها كل الأفرقاء تحت سماء هذا الوطن المتعب.

ففي العودة نحو الماضي القريب، يسجل التاريخ اللبناني، نجاح نبيه بري في العام 2005، بحياكة “التحالف الرباعي”، الذي ضمه يومها مع سعد الحريري ووليد جنبلاط والسيد حسن نصر الله.

كذلك، نجح بري بعيد انتخابات العام 2009، بصياغة علاقة “ربط النزاع” بين “التحالف الرباعي” نفسه، وأضاف إليه السيد نصر الله آنذاك العماد ميشال عون.

ونجح نبيه بري في العام 2011 باحتواء إخراج الحريري من رئاسة الحكومة.

وتمكن بري في العام 2014 من دفع حلفائه إلى الالتفاف حول حكومة تمام سلام وفي داخلها.

كما نجح بري في تقطيب جروح كثيرة كانت تحدث في العلاقة بين “حزب الله” ووليد جنبلاط.

في النهاية، نبيه بري مقتنع أن جنبلاط لن يبتعد كثيراً عنه، وبقي ممسكاً بـ”شعرة معاوية” التي تتحوّل حيناً إلى حبل متين، وتضعف حتى تكاد تنقطع أحياناً.

بقي نبيه برّي “يرشّ الملح” على الطريق بين كليمنصو وعين التينة، لأنه كان مقتنعاً أن جنبلاط سيسلكها يوماً نحو حارة حريك.

حتى الآن، لم يصدر أي تعليق لبري حول اللقاء، لكن بحسب الأوساط السياسية، فإن من يعرف بري، يعرف جيداً ترحيبه بأي حوار ولقاء يعزز الوحدة بين الأفرقاء، وخاصة بين طرفين “هيدا عين.. وهيدا عين” بالنسبة له، وتحديداً لأن البلد مقبل على استحقاقات صعبة وحساسة ومنها ملف الترسيم، والتي تحتاج الى تماسك وطني ووحدة صف بين كل الأحزاب اللبنانية. فضلاً عن حاجة البلد إلى التعاضد بين أبنائه للخروج من الأزمات التي تعصف به.

وتشير الأوساط، الى أنه وإن لم يكن لبري دور مباشر لعقد هذا اللقاء، إلا أنه سعيد جداً بما جرى، وهو الحريص دوماً على منع جنبلاط من الابتعاد النهائي، ومحاولة ردع الخصومة النهائية بينه وبين “حزب الله”، وهو الذي راهن على جنبلاط في العديد من الاستحقاقات ذات البعد الاستراتيجي، وكان جنبلاط عند “حسن ظن” بري.

جنبلاط، الذي صعّد قبل الانتخابات خطابياً ضد “حزب الله”، معتبراً إياه “الوحش” الذي يريد أكله والقضاء عليه، تفهمه الحزب، فهو كان يدرك حاجته لشد “العصب الدرزي”، في معركته الانتخابية الحامية، خاصة في ظل استشراس “القوات اللبنانية” خلال مرحلة الانتخابات، لتفرض حضورها ولو نسبياً في كل المناطق اللبنانية، التي تستطيع إليها سبيلاً. ليعود بعد الانتخابات الى “تطرية” الأجواء مع “حزب الله” الذي يجاوره في كل مناطق نفوذه.

وعلى الرغم من علاقة جنبلاط “المقبولة” نسبياَ مع “القوات اللبنانية”، الا أن شيئاً من “عدم الارتياح” يشعر به جنبلاط بقربه من سمير جعجع. فجنبلاط، المحنك جيداً في السياسة اللبنانية، ليس “ابن اليوم”، ليقع ضحية وعود “القوات” التي ما هي سوى فقاعات هوائية، يتلاشى أثرها فوراً. لذا، لن يشرب من الكأس الذي شرب منه الرئيس سعد الحريري، ولا الذي تجرعه الرئيس نجيب ميقاتي عند تسميته لتشكيل الحكومة مؤخراً، على الرغم من أن “القوات” قدّمت خدمة لميقاتي بعدم تسمته.

عدم الارتياح هذا، دفع بجنبلاط الى “الاستدارة 180 درجة”، خاصة أن البلد على باب استحقاقات هامة، لا يمكن الاعتماد فيها على جعجع بعد أن سقطت كل رهانته الداخلية.

استحقاق رئاسة الجمهورية، والذي يعتبر الشغل الشاغل لدى كل القوى السياسية الآن، يشغل بال جنبلاط، وهو الذي يدرك جيداً، ان التحولات الاقليمية وانعكاسها على لبنان، تؤكد أن لا رئيس سيتربع على كرسي بعبدا معادياً لـ “حزب الله”، أو من دون قبوله على أقل تقدير.

الوضع الاقليمي، الذي تطرق له جنبلاط في مقابلته الاخيرة، يشي بتغيير واضح في معالم العلاقات الدولية. الحوار بين أميركا وايران من جهة، والسعودية وايران من جهة أخرى، سيفرض حتماً نتائج تصب في صالحها في النهاية، بعد تمسّكها بمصالحها رغم كل الحصار المفروض عليها منذ سنوات.

الذي يقرأ كيف يجري جنبلاط حساباته ليقرر موقفه، يعرف أن جنبلاط قد “سرح” مطولاً في التحولات الاقليمية، ومنها ما يسجل من نقاط قوة لصالح المحور الذي تدعمه روسيا وايران والصين، ويحتضن داخلياً “محور المقاومة”، وعلى رأسه “حزب الله”. وعلى ما يبدو، أن جنبلاط وضع في ميزانه هذا المحور في الكفة الأولى، والمحور الذي ينتمي اليه في الكفة الثانية، وأدرك أن المحور الذي ينتمي له أصبح هشاً، بالأخص في ظل غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية.

بدأت استدارة وليد جنبلاط، وهي استدارة واضحة لا تحتاج إلى اجتهاد، لكن درجة هذه الاستدارة، ومدة صلاحيتها، ومتانتها… تحتاج إلى مزيد من الوقت، حتى يرى جنبلاط المشهد كاملاً من الزاوية التي استدار نحوها.